الأحد، 23 أغسطس 2020

ما أنا بقارئ




في أثناء قراءتي للرواية التي كنت أعتقد بأنني أعرف النهاية جيداً. كنت أحاول الاستنتاج وفك رموز الكاتب من خلال تلك الجمل التي يقولها الأبطال، أو المواقف التي تحدث معهم، كانت الحبكة بالنسبة لي واضحة وبسيطة. فهي ليست القصة الأولى التي تقع في يدي، ربما الفارق الوحيد بينها وبين أي كتاب قرأته قبل الآن هو طول صفحاتها، فهي أخذت ثلثي عمري تقريباً. طويلة جداً!  على الرغم من أن أغلب الأحداث كانت مملة نوعاً ما، وتشابهت فيها بعض الأمور، إلا أنني لم أتركها شأن أي كتاب لا يعجبني، فأنا لا أعطي أي فرصة للكتب الرديئة. والسبب يكمن في أنني أرفض أن يضيع وقتي على محتوى سيء، الحياة أقصر من أن أجبر نفسي على شيء لم ترضى به، لا يوجد مساحة لحشر كل شيء، الساعة لا تكفي، والعقارب ستتوقف يوماً ما. ومن وجهة نظري التي قد يخالفني فيها البعض أرى أنها فكرة سديدة، حيث أن العالم مليء بالكتب التي لم تقرأ بعد، مليء بما لم يكتب. لكن في نفس الوقت ضعفت أمام هذه الرواية. هي عادية جداً إلا أن في سطورها شيء يستحثني على الإكمال. تصيبني أحياناً حالات فتور ناحيتها، أتركها بجانب سريري لأيام متناسية وجودها بجانبي حينما، تمر أيام كثيرة وأنا أصعر وجهي لها، مخاصمة. فأجد نفسي وقد خاصمت نفسي أصلاً، حيث أعرض عن القراءة كلياً لأنني معلقة بين أوراقها، لا أستطيع الانتقال إلى القصة التي تليها ببساطة. يجب أن أنهيها كاملة. ويا لسذاجتي.

لا أدري إذا كنت دائماً بهذه الحماقة أم لا! ففي كل التجارب السابقة كنت لا أشغل عقلي بالنهاية. كنت أستمتع بالرحلة مع الكتاب الجديد قدر المستطاع، وبغمضة عين وبدون أن أشعر أجدني قد انتهيت منه. لم أجعل حكمي ينطلق قبل الوصول. وهذه المرة الأمر مختلف وجديد، سمحت لنفسي بإطلاق الظنون بناء على ما كتب، على ما ألقي إلي، بناء على ما قاله الأبطال وأراده الراوي، ثم أنني أحسنت نيتي وصدقت كل السطور، وهذا هي عادتي في كل الأمور، أتبع قاعدة بسيطة استنتجتها منذ زمن بعيد أن الأصل في القصص الإحسان مالم يرد أي دليل ينفي ذلك. وبت أتسائل هل هذه قاعدة حمقاء أيضاً؟ هل يوجد أي قاعدة أصلاً؟ أ من الجيد وضع القواعد؟ وهل مقولة لكل قاعدة شواذ صحيحة؟ إذا كان هناك من استطاع الهرب والتملص من القاعدة فكيف لي بتصديقها بعد ذلك؟ دائماً تعصف برأسي الأسئلة التي لا أجد لها حلاً. وربما كان هذا الحال المناسب لي.

حينما اعتقدت أنني أدركت ما كان يجري أمامي على صفحات الرواية اللعينة، وكففت عن طرح الأسئلة معلنة تفوقي عليها، وجدت العاقبة في النهاية. كل ما قيل وذكر وكتب وحدث وصار وفُعل فيها كان من أجل خدمة الراوي والأبطال وليس القارئ. ليس هنالك أي نهاية، بل ثقب أسود يجرك نحوه إلى الأبد، فتدور وتدور في حلقة مفرغة بيضاء ناصعة واضحة الملامح، والمصيبة أنه لا يوجد غير نسخة وحيدة من هذه الرواية، ووقت بل عمر واحد قد أهدر.

 

 

الأربعاء، 20 مايو 2020

إنه كان بي حفيا






كنت عطشى، أشعر بالظمأ ولا أرتوي أبداً، والأرض قاحلة والسماء صحو، ولا أدري أين أولي وجهي، وفي أي جهة أمد لساني الجاف، وكيف أرمم سقف حلقي المتهالك. أحاكي هاجر عليها السلام في الصعود والنزول، مع يقيني بأن لا أحد معي فيفجر الله من تحته لي عيناً أرتوي منها. حينما أصعد قمة الجبل أرقب ماء ليس بالبعيد يتلألأ، يغريني بالاقتراب أكثر، فأنزل! وأصدق واقترب، ثم أقترب، وأكاد أصل، وأطمئن نفسي بأنه بقي القليل، ها هو هناك، وأظل على تلك الحال حتى يحل الليل، فيطرحني التعب أرضاً، أستسلم وأرفض الركض خلف المجهول، ثم يحل الصباح ثانية فأرى نفس بقعة الماء، بنفس اللمعان، وبإغراء أكثر أقوم فأركض خلفه مرة أخرى. وهكذا حتى مللت وتوقفت. وليت أن الملل تلبسني منذ السعي الأول. وقفت وبكل يأس نظرت نحو السماء، إنها الوسيلة الوحيدة منذ الأزل، الوسيلة الوحيدة ليخرج من الأرض زمزمٌ خاص بي أنا، لي وحدي، الطريقة التي سيتحول فيها السراب إلى حقيقة. وهي عادتي القبيحة في تذكر الأشياء عند اليأس، أو أن أعرف إلام تؤول الأشياء بعد فوات الأوان. ما يفرقني عن هاجر أنه منذ البداية عرفت أن الله لن يضيعها، رأت مستقبلها المخضر في وسط حاضرها الأجدب! حينما أيقنت أنه أمر الله، كانت تصعد وتهبط وهي تعلم يقيناً في قلبها أن الله سيرسل الخير، أنه هو سبحانه بيده سيغير الكون من أجلها، سيقول كن فيكون. وأنا وصلت لهذا اليقين متأخرة. ولكن وصلت! والوصول بالنسبة هو أهم نتيجة في الرحلة، حتى لو كانت الخطى بطيئة، ومتعثرة، وعشوائية. وبيقين هاجر، واطمئنان قلب إبراهيم، وبعطش إسماعيل عليهم جميعاً السلام، رفعت يدي نحو المساء مبتهلة متضرعة، أرجو من الله وأطلبه أن يسقيني شربة ماء، شربة بسيطة لعلي أكمل بها مسيري نحو المجهول.
وإذا بالسماء تمطر. 

الخميس، 22 أغسطس 2019

كل عام و أنتِ حبيبتي












لا أستطيع أن أصدق بأنها عشر سنوات فقط! في قلبي كأنها مئة عام. نضجت خلالها في الليلة ألف مرة، صار المستقبل فيها أمساً، والغامض والمجهول أصبح تجاربًا، والذي كنت أنتظره البارحة صار شيء من الخيال. حلم رمادي.
الشيء الذي يجعل القشعريرة تسري في قلبي هو مضي كل ذلك الوقت وإثباته هنا، في كل سنة مرت وكتبت فيها، وكبرت فيها. كل شي موجود هنا وواضح في كل حرف كتبته، في كل عنوان اخترته، في ثبات الوقت الذي خلقت فيه كل تدوينه، في اختيار الصور، واختلاف المواضيع، بكل ما فيها من حقيقة وخيال. في موج التدوينات المتضارب، في سنة يكون مداً وفي أخرى يكون جزرا. في كل الأوقات التي خاصمتها فيها وهجرتها، في تعليقات الأحباء والغرباء. كل ذلك يثبت أن الوقت مضى، مضى بحلوه ومره.

المكان ثابت، وربما الكلمات تتكرر، والأسئلة تتدور، وأنا العنصر المتغير في هذا كله، الحقيقة المتغيرة التي لا رهان عليها، لا كذب فيها، الحقيقة التي ظلت تكتب وتخرج مافي جوفها من كلام في كل مرة لا تستطيع أن تبتلعه، في كل مرة تشعر فيها باقتراب الموت والاختناق مع مرور الأيام، في المرات التي كبر رأسي فيها من كثرة الأفكار، كل المرات كانت ثابته وأنا من تغيرت، هذا المكان كان ثابتًا، يقف بصلابة كي أتكئ عليه، كي أستند إليه،  أفلا يحق لي بعد مرور كل هذه السنين أن أقول بأنني أشعر حقاً أن هذا المكان ابنتي، قطعة مني، أم لايزال الأمر مستنكراً!
دمت لألف سنة يا صغيرة.

الاثنين، 29 يوليو 2019

هل كانت لوحة سائبة !






أراها هناك، بعيدة كل البعد، قريبة أكثر من أي شي آخر في الوقت ذاته، معلقة كلوحة مسروقة في متحف عظيم. بألوان زاهية تجعل كل من يمر بجابها يقف، يقف متأملاً، أو مدهوشاً. ومع كل وقفة أتسائل يا ترى هل سأشعر بالشعور ذاته لو اقتربت، هل ستكون الألوان أكثر زهاءً عن قرب، في الوقت نفسه أتسائل هل يدرك أحدهم أن هذا الجمال الطاغي قد سرق؟  من قد يقرر ملكية الآثار؟ من يرثها من بعد أصحابها؟ هل يجب عليها أن تفنى معهم؟ أو يحرقون معها؟ أمر كل يوم وأراها معقة بكل جمال ولا أستطيع أن أمد يدي ناحيتها أو أن أنطق الحق فأقول أنها سرقت. من سيكسب أنا، أم المتحف العظيم؟ أعتقد أنها حرب خاسرة ب بابتسامة موناليزية تلاحقني في كل مكان.

المكان في غرفتي مازال فارغاً من أجلها، ينتظر عودتها بغباء، اصفرت المساحة مخلفة مستطيلاً قذراً وكأن خيالها كان معلق كل ذلك الوقت حاجباً أشعة الشمس من التغلغل ناحية الجدار. تصدأ المسمار والتوى، مل من الوقوف واستسلم للموت خائر القوى، ظل متماسكًا لمدة طويلة منتظراً تلك اللوحة أن تعلق، ولا أحد يطيق الانتظار، حتى المسامير. ولا أقول بأنني لم أحاول مسبقاً إخفاء البقعة، لكن لا شيء يتماثل معها إطلاقاً، إما يكون كبيراً ثقيلاً فيسقط، أو صغيراً يحفه اللون الأصفر من كل مكان. هل من الأفضل أن أنزع المسمار من مكانه وأطلي المساحة على الرغم من أنني لن أصل لنفس الدرجة في الجدار نفسه، أن أطمس الثقب الذي خلفه المسمار الصدئ بطبقة خفيفة من طلاء؟ أم أكتفي بأن أقتني إطاراً فارغاً مناسباً وأعلقه لأذكر نفسي بأنني كنت فنانة في يوم ما، وألا أقف وأكتفي بلوحة واحدة؟ أن أظل أرسم حتى تنتهي الألوان من على وجه الأرض؟ أو أرسم فوقها شمس تستمد لونها من الصفرة التي لم تعرف النور يومًا؟


الأحد، 24 مارس 2019

فارغة









حينما قررت الدخول والقتال بين الكروم لاقتطاف ما شئت من أنواع العنب الحامضة الحلوة في الوقت ذاته، اخترت السلة الأكبر لأجمع فيها. وقع عليها ناظري منذ أن وقفت في الصف منتظرة دوري أن يحين. فبالرغم من أنها كانت كبيرة الحجم جداً مقارنة بجسمي الهزيل إلا أنني قلت في نفسي " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" وأنا أشعر بأنه يسعني بل يسعدني أن أحمل كل ذلك القش المجدول على ظهري. وبالرغم من النصائح العديدة التي قدمت لي، وبالرغم من كل ذلك الهمس الذي كان يدور حولي إلا أنني ظللت متمسكة باختياري، وحملت السلة وعلقتها على كتفي وسرت متجهة نحو كروم العنب الخضراء. في بداية الأمر كنت أجمع أي عنقود تقع عليه عيني، أحمر أخضر أسود أزرق، لا يهم، كنت أريد أن أجرب كل لون وكل طعم وكل شجرة. ومع مرور الوقت أصبحت سلتي شبه ممتلئة، وأنا لم أقطع نصف المسافة حتى الآن، لذا بعد أن جربت وتعلمت وعرفت أو أستطيع أن أقول شبه من كل ما سبق، قررت أن أفرز ما في السلة، فأحتفظ بالأفضل. واستفيد من كل تلك المسافة التي قطعت فأتذوق أو أقرر حسب تجربة سابقة ثم أضم ما وجدته مناسباً إلى سلتي.
قد تكون كمية الوقت التي قضيتها في تلك الكروم هي السبب! لا أدري، لكنني بدأت أشعر بأنني اعتدت على ثقل السلة وراء ظهري، ولم أعد أحس بحجمها، وكأنها رجعت خفيفة مرة أخرى. كأول مرة استلمتها فيها. أوليس ذلك من الخبرة والكفاح؟ ألا يعني ذلك أنني بالفعل قطعت شوطاً طويلاً، وأنني أكاد أصل إلى النهاية؟ ومن أجل ذلك قررت أن أتوقف قليلاً لأنعم بالقليل من الراحة، ولا أدري كم مر وقت على استراحتي، لكن يبدو أنه مر الكثير حيث أنه مر علي أشخاص لم أرهم في أول المطاف عند نقطة الانطلاق. لا يهم، أليس كذلك؟ ما يوضع في الحسبان أنني شارفت على الانتهاء. لذا قررت الاكتفاء من الراحة والانطلاق مرة أخرى، حتى استوقفني شخص يمشي تائهاً بين الكروم، لا يدري حتى الآن أيها يقطف، و أيها يتجاهل؟ ما هو الحلو وما هو الحامض؟ فالتفت ناحيتي متسائلاً كيف أبداً؟ ابتسمت وقبل أن أفتح فمي لأجيبه على سؤاله إذا به يلتفت ناحية سلتي، ليبتسم بسخرية فيقول: يبدو أنك آخر شخص يطرح عليه سؤال كهذا! فيبدو أنك لست الشخص الذي أريد أن أكون. لا أريد لسلتي أن تظل فارغة. نظرت نحوه ببلاهة والتفت ناحية سلتي لأخذ منها بعض مما جمعت، فأحشرها في فمه ليسكت. لكن الصدمة أنني حينما التفت. كانت السلة فعلاً فارغة!! صدمت ولطمت وبكيت، ظننت أن أحدهم سرقني، وأن تعبي كله قد نهب. لكن حالما هدأت واقتربت من السلة اكتشفت أنها مثقوبة. فبُهتُ! كيف لهذا أن يحدث! ما هي الأسباب التي جعلت الحال ينتهي بي إلى شخص بسلة مثقوبة، بلا تجربة، بلا قرارات! ومازلت حتى هذه اللحظة أحاول أن أصل إلى السبب. هل أنا كنت مخطئة حينما حملت السلة أكثر من طاقتها؟ أم أن الشمس الحارة كانت كفيلة بإضعاف قشها؟ أم أن أحدهم قد هشمها؟ وإن كانت بفعل شخص آخر، هل كان متعمداً أم بدون انتباه؟. هل أعود لأجمع ما سقط؟ أم أكتفي بأن أجمع ما أستطيعه بيدي؟ هل أستطيع إصلاح السلة؟ أم أنه فات الأوان؟ وقفت في مكاني أنظر بيأس ناحية سلتي في مكان قريب من النهاية متحسرة وباكية على العنب المنثور. هل أنا بلهاء لأفعل ذلك؟

الثلاثاء، 5 مارس 2019

لدي وحش فوق سريري، لكنني لست خائفة!








هل من الطبيعي أن تريد القفز إلى فوهة البركان؟ ليس من أجل أن تموت! لا على العكس إطلاقاً، أن تقفز داخلها لتعيش! لتجعل شيئاً ما بداخلك يهزم. صديق قديم اكتشفت ملازمته لك مؤخراً. كنت تظن في كل مرة تراه فيها أنه مجرد انعكاس لك. مجرد خلقٌ حسن وهبك الله إياه. وفي بعض الأحيان حسبت أنه صخرة رميت في طريقك خلسة ولم تستطع تحريكها. من المفجع أن تكتشف أنه يقاتلك ويهزمك ولم يكن ذلك بسبب قوته، أبداً! لم تكن تحتاج إلى قوة إضافية حتى تمنعه، خلقت بقوة تكفيك دهراً، لكنه الاستسلام، عدم الفهم، الانعطاف الخاطئ، لا أدري ماذا يطلق على ذلك الشعور ناحيته، ربما سذاجة؟ لكن هل السذاجة تعد شعوراً؟ هل تلازمك السذاجة مع مواقف معينة فقط؟ وتكون فطناً في مواقف أخرى؟ لا أدري لم أصل إلى إجابة كاملة شافية نحو هذا الصديق الملازم. أملك نصف إجابة فقط، وربما يكون النصف الأخر مخفياً أو مأكولاً كرغيف يابس. ولست مستاءة المهم إنني وصلت إلى المكان الذي سألت فيه نفسي. المكان الذي توقفت عنده وانتبهت وفكرت وطرحت ملايين الأسئلة. عرفت أنه هناك مشكلة تحتاج سؤالاً. قطعت شوطاً عظيماً حتى وصلت إلى هذه المرحلة. ولم أكن لأفعل ذلك لولا الأرق. ذلك الوقت الثمين الضائع، يهبك الأرق في بعض الأحيان هدية فلا تكتشفها بعد مضي الكثير والكثير من الوقت. ففي السابق كنت أتقلب وأتخبط في فراشي أحاول تجريب كل طقوس استدعاء النوم التي كانت تبوء بالفشل في أحيانًا كثيرة، وحين تفشل كل تلك الطقوس وتسقط كل الخراف على رأسي أزيح ستارة المستقبل قليلاً وأبدأ في لعب أدوار مترقبة، متوقعة، أو متمناه وغالباً ما تكون مستحيلة. يضيع الوقت في التفكير بأشياء بلا معنى. لكن يبدو أن الأرق يحدث لسبب، يحدث لأنك كنت تنام داخلياً، يحدث لأجل كل تلك الأفكار والأحداث التي تراكمت فوق ظهرك طوال تلك السنين الماضية، يتغذى على كل المواقف التي لم تقف عليها ولم تسأل نفسك فيها سؤالاً واحداً، يعيش من أجل كل الأشياء التي فعلتها أو لم تفعلها. لأجل كل الأشياء التي قلتها أو لم تقلها. لكل تلك الأحلام والصدف التي علقت على أصابع الندم لتلعقها قبل أن تأكلها كل سنوات عمرك القادمة. ولهذا يكبر الأرق شيئاً فشيء حتى يقبع على صدرك كل ليلة كجاثوم عجوز، تعتقد أنه عمر ألف سنة في وقت قيلولتك عصراً. فتحاربه بخرافك! لن يزول هذا العجوز حتى تقتله. يجب أن تنهي كل سبب وجد من أجله، خلق من أجله. أن تمحي كل شعور لازال يعلقك بالماضي، يجرك ناحيته، يسحبك، يقتص منك ويؤلمك. انتبه لمكانك، واعرف إلى أين سارت بك رجلاك؟ أين وصلت، وماهي وجهتك؟

من هنا بدأت أتعرف على نفسي وعلى الأصدقاء الملازمين وعلى كل أمنياتي الجديدة وعلى كل الأحلام التي علقت مصلوبة على كتفاي تنتظر من الله أن يرفعها إليه. أعرف في تلك اللحظات أنني كبرت عن الليلة الفائتة، أني أريد الوصول إلى القاع وأنا لم تتعلم السباحة. أنني لا أفكر بالتملك، ولا يهمني الرفض وأن اللامبالاة والتهميش تكسرني إلى الأبد. أنني منذ الأزل وحتى الآن لا زلت لا أحب الحزن وأنني مجرد شخص تورط به، كطفل ضائع يمسك بفستاني باكياً يطلب مني أن أبحث عن والدته. وأنني ربما سأبكي معه وأبحث عنها، المهم أن أعطي لحظة الضياع وقتها وحقها. وأنه سيأتي يوم تخور فيه القوى، ويتغير فيه كل شيء، وأن الانتظار دائمًا متعب وقاتل. ولو أنني اكتشفت من ملازمة الأرق لي في الليالي الماضية أنني سوف أستيقظ. ولن أهتم. أن أدرك أنني أنضج الآن، وأنني إلى الأبد عقل امرأة وقلب صبية. أن أتصالح، أتصالح من نفسي فقط، أنا ومن بعدي الطوفان، لأتحرك أنا أولاً حتى يغير الله ما بي.لكفاني.

ترى ما الذي يمكن أن تهديه لنا الحياة فنغفل عنه، ولا نفك عنه أربطته، ونلقيه بعيداً مكوماً مع أشياء أخرى لاتهم؟ هل نحتاج فعلاً أن نكبر يوماً أو عاماً أو نتخطى سناً معينة حتى نصل إلى مرحلة الإدراك، ألا نستطيع أن ندرك قبل الأوان؟ ما فائدة الإدراك إذا مضى الوقت؟ أم أنها سنة الحياة؟ أو ربما هي مجرد تراكمات تجارب تلقى عليك بالية فتظن أنك لا تستطيع ارتدائها أو لن تصبح مقاسك أبداً، فتكبر وحينما تحاول بكل غباء التراجع ومحاولة لبسها تجدها اختفت وولت أو باتت صغيرة عليك. ليست على قياسك. هل أستطيع أن أعود إلى تلك الليالي التي كنت أتقلب فيها باحثة عن النوم فأدرك فيها كل شيء؟ هل سأجد إجابة؟ على الأقل ذلك لا يهمني الآن.




الأربعاء، 5 سبتمبر 2018

باسقة








في القرية القديمة. في منتصف مساحتها الصغيرة، على تلك الأرض الصلبة. كانت تقف تلك الشجرة العظيمة، بظلها البارد، وثمارها اليانعة، تطعم الجميع بلا منه ولم تكن تأبه في أي فصل من السنة كنا، دائمًا مزهرة. لم تتقوس، ولم تنثني لأي ريح، قائمة بذاتها، لم تحتج يوم لأي عون بشرية، تشرب من ماء السماء البارد فتحتفظ بقوتها حتى في أقسى أيام الصيف. أنا شخصياً كنت أحبها جدًا، آوي إلى ركن فيها هروبًا من كل شيء، أستند إليها وأرمي كل ثقلي عليها، أنفض عني كل ما خلفته الدنيا ثم أعود كما كنت، ولم أكن الوحيدة. كل سكان القرية كذلك. يجلسون وينفضون ويغسلون أنفسهم تحتها ويرحلون. فيها سر عجيب لا أحد يعرفه، تمتص كل ما يرمى إليها ولا تترك له أثر.

في كل مرة أزورها فيها أرفع يدي ناحية الغصن المتدلي لأقطف ثمرة مالت إلي باستحياء، ناضجة فيها لذة للناظرين، لكنني أرفع يدي وأنا أعلم أنها ربما تكون الثمرة المرة، نعم، الثمرة المرة. فعلى الرغم مما ذكر أعلاه إلا أن هذه الشجرة تزهر بثمرة مرة واحدة كل شهر. ولا يعلم أي أحد من سكان القرية في أي يوم وعلى أي غصن ستكون هذه الثمرة. مجهولة كليلة مباركة، لا تستساغ كحنظلة صحراوية حارقة. فأما أنا فكنت أحب عنصر المفاجأة، وأكملت أكل كل الثمار التي قطفتها، مهما كان طعمها. وأما أصحاب القرية الظالم أهلها فكان كل من تقع الثمرة الملعونة في يده ويكتشف طعمها بين أسنانه يقذف بها ناحية الشجرة ويمضي. وربما لا أستطيع إيجاد عذر لهم، لكن في نفس الوقت لا أستطيع لومهم. لا أحكم عليهم أبدًا، أقف في منطقة حرة في منتصف صراط مستقيم. وأتساءل بيني وبين نفسي في منطقتي الحرة ألا يستطيعون التغاضي وإكمال الثمرة؟

مع مضي الوقت والأيام، كبرت وكبرت الشجرة، ولم تعد تفاجأنا، وتلاشت تلك الثمرات المقضومة من أسفلها. لا أدري إذا كان أهل قريتي قد تبين لهم هذا التغيير الكبير أم لا؟ أم أنهم تنفسوا الصعداء فرحاً بانتهاء أزمة المرارة من حياتهم. لا زالوا على عادتهم يستلقون يغتسلون ويأكلون ثم يولون هاربين إلى الحياة مرة أخرى. أما أنا فانقطعت علاقتي بها، تغيرت فتغيرت عليها، أحسست بأنها مالت وعبست وتولت. حتى جاء ذلك اليوم الذي سمعنا فيه دوي ارتطام عظيم، وكأنها الصيحة الأولى إلا أننا أفقنا مفجوعين، نركض في كل اتجاه نعلل سبب ذلك الصوت. حتى حشرنا كلنا في مكان واحد، أمام الشجرة، وقد سقطت على الأرض مقسومة جوفاء منخورة وممتلئة بأحزاننا من الداخل. ماتت الشجرة.


الأحد، 15 يوليو 2018

حلوة، لم يذقها أحد من قبل





موجودة في هذا المكان منذ زمن، لا تعلم أي يد ألقت بها هنا بعناية، أو أي رياح رمتها بعفوية، لا تذكر اللحظة الأولى أبدًا. ولا يبدو أن ذلك يهمها، أفاقت وهي مدفونة تحت أرض رطبة، تفكر في ماهيتها غداً، عن كمية الأشجار التي ستنبت من حولها، وعن اللاتي سبقنهن بالإحسان، تنتظر اللحظة المناسبة لتزهر، قضت جل وقتها في التفكر في كمية الأصدقاء الذين سيحفونها، عند عدد الحيوانات التي ستتسلقها، والطيور التي ستنقر أغصانها وجذعها. تفكر في اللحظة التي تنقضي عندها الوحدة ويبدأ عهد الغابة. اللحظة التي ستزهر فيها.

لم تستطع أن تميز نوع البرعم الذي ولدته للحياة، أخضراً زاهياً، أو أنها ربما لم تنتبه له. ذلك البرعم الهش الذي يحاول جهداً أن ينبت نفسه ولو على حساب استقامته، يقاتل من أجل الحياة. ينظر إلى الأسفل، إلى بذرته الأم، يستجديها لعلها تمده بالقوة الكافية حتى يشق طريقه، بلا فائدة. ليخرج إلى سطح الأرض لينًا متقوساً نحو الأسفل، لا يستطيع الاستقامة ليرى حاضره ومستقبل أمه.

إلى أي درجة هي غبية هذه البذرة؟ ماهي الأحكام التي ستلقيها عليها البذور الأخرى؟ ما الذي كان يجب عليها فعله في تلك اللحظات الفارغة؟ ما هو الاكتشاف وأين تجده؟ من هو الملام الحقيقي في هذه المسألة؟ البذرة! أم الجهل؟ لا أستطيع لومها وهي تنتظر الغد لتعرف اليوم، لن تقدر على خلق ذكريات من العدم! وغريب أن تبني الماضي من المستقبل! في تلك اللحظات بالذات كيف لتلك البذرة أن تعيش وهي لا تعرف إن كانت حامض أو سكر! فاكهة أو خضر! لا شيء. لا شيء في ذلك الوقت سوى اللاشيء، اللاتجربة، اللامعرفة. الترقب فقط.

حينما حانت اللحظة وآن لها أن تزهر وتبصر النور، وضعت كل قوتها في تلك اللحظة، وفي تلك اللحظة بالذات بدأ حلمها يتوسع ويتضاعف، والغابة التي كانت ترى نفسها فيها أصبحت أكبر و أضخم، حينما اقترب الحلم غلت فيه. وعند الوصول لم تكن سوى نخلة في واحة صحراوية. وحدها أمام كثبان واسعة رملية. حلوة المذاق سكرية. هناك وحدها.


الثلاثاء، 5 يونيو 2018

قالوا ربنا ثم استقاموا









متى تمل من الاتكاء؟ متى نقرر السقوط؟ متى تستلم وتقول لنفسك أن ألم الارتطام أقل وجعًا من ألم الاستناد؟ متى تجيء هذه اللحظة القاسية؟ تقرر في ثانية أن لا شيء يستحق. وأن كل ما سيأتي سيكون أكثر ثقلًا فلا أنت تستطيع حمله. ولا هو قادر على أن يمضي. ربما كل ذلك يعود على مدة الوقوف. على الوقت الذي فضل الجميع فيه الهروب منك. اللحظة التي بقيت فيها لوحدك. أو قررت على الأقل أن تبقى كذلك. ومع مرور الأيام لا تدري إن كان ذلك قرارًا صائباً على الأقل في فترة ما بالنسبة لك أو لا. أم أنك كففت يدك عن الحركة ووكلت إليها مهمة وحيدة فقط، أن تسندك. لأنني أعرف بأنها يدي التي لن تخذلني، ستعرف تمامًا مقدار القوة الذي أحتاجه في كل مرة، ستشتد وتنثني بقدر حاجتي. يدي التي لن تخذلني.

لكنني في كل مرة أضعف فيها، أو يمر على يوم لا ينتهي. أتساءل، هل حان الوقت الذي أسمح فيه لكتفي أن يستريح؟ هل سأستقيم بعدها؟ هل سأكون قادرة على تذكر كيفية الوقوف؟ أخشى السقوط كثيرًا، ولا أحب الوصول إلى القاع. أكرهه. الوصول إلى تلك النقطة ضعفاً، و أنا لا أحب النسخة الضعيفة مني أبدًا. أخاف. أخاف حتى من التجربة. فتظل هذه الأسئلة كغيرها من الأسئلة التي تعلق في مخيلتي بلا جواب. أفتش عن حل ولا أجد. المشكلة أنها بلا أجوبة وفي نفس الوقت باحتمالات. وهو شيء أخر أخشاه في هذه الحياة. المنطقة الرمادية التي بلا حياة، لا تنتمي لأي فئة من الألوان، تجدها في كل لون مرة. أخافها و أشمئز منها. حدد لي لونًا واجداً/ كمطقة محدودة، لا ترمي بي إلى مناطق الاحتلال التي لا تدري إلى من تنتمي. وما هو التاريخ وما هو المستقبل.

هل أنا أقسو على نفسي؟ أمنعها من خوض تجاربها الخاصة بها. أن تتعلم وتستفيد في كل مرة من درس جديد. أم أنني أفرض عليها عدم تكرار التجارب مرة بعد أخرى. أن تتوقف عن السقوط في نفس المكان كل مرة. أدفع بها مستندة إلى نفسها علها تمشي، تتغير، تتقدم، أن تبصر مشهداً واضحاً حينما تسأل عن مكانها في السنوات الخمس القادمة. تمشي هناك في ذلك المكان المرتفع البعيد، تمشي غير متكئة.

السبت، 25 مارس 2017

يا ليتني مت قبل هذا






لابد وأن قال أحدهم لك ناصحًا: واجه مخاوفك! تغلب عليها، عش معها منتصرًا. لا أدري عن مدى صحة هذا الكلام! لم أجربه في حياتي قط. كل مخاوفي بعيدة الأجل. لا أستطيع اللحاق بها ومواجهتها. في الحقيقة أنني أخشى أن تقترب هي ناحيتي. لا تنطبق هذه النصيحة على كل المخاوف، فبعضها لو أقبلنا إليها مقاتلين خارت قوانا قبل أن نصل. شكلها الوحشي وهي تقف بشموخ أمامنا مخيف بحد ذاته. الغريب أنها تكبر وتنمو حتى بدون أن تسقيها أو تطعمها، بل لا أدعها تأكل من خشاش الأرض. أعرض عنها متناسية وجودها، علها تموت، تفنى، تتلاشى. لكنها تأبى. أظل أقول في نفسي لو أنني كنت سببًا بسيطًا في وصولها إلى هذا الحجم من الحياة لوجدت شيئًا ألقي عليه اللوم. شيئًا أقول إنه السبب في كل ذلك. لكنني واللوم تائهين ضائعين.

لا يوجد في هذه الحياة خوف أخبث من الخوف من مواجهة مخاوفك. خوف مولود في رحم خوف. عاش في ظلمات سبع. القلق، الشفقة، الأذى، الضعف، الحزن، الألم، الوحدة، وأخيرًا الضعف والاستسلام معًا، في ظلام واحد. مخاض هذا الخوف لن تنفعه نخلة مريم عليها السلام، لكنك ستكون وحيداً تصارعه كما كان حالها. ولن تجد أحدًا يعاونك على الحديث كما فعل من كان في المهد صبيا. ستكون وحدك تحمل ذنب خوفك كالعار الي يشتمك به الآخرون.

لا حيلة لك هنا أبدًا سوى أن تنتظر ذلك النداء الذي يأتيك من سماء سابعة، يطلب منك أن ألا تخاف ولا تحزن وقر عينا. وما أعظمها من حيلة. 

الأحد، 6 نوفمبر 2016

عُمرة





الثلاث أيام الماضية كنت أسبح وحدي – ولأول مرة -  في بحور الروحانية، أثني أصابعي لأعد أشواط الطواف وحدي، لم يصاحبني أحد، ولم يعكر صفو عمرتي سؤال عن عدد، كنت أطوف، وأسعى، وأناجي الله وحدي. أشعر وكأن هذه الدنيا قد خلت، وبقيت هناك أدور حول الكعبة رافعة بصري نحو السماء، أصعد نحوها في كل دورة.  اقترب من الله أكثر وأكثر. في هذه الرحلة عرفت معنى أن تولد من جديد، قصصت أنا القديمة مع خصلات شعري المتناثرة حينما أنهيت عمرتي. حملت معي ذاتي وانطلقت أجوب الساحات وأدور تحت المآذن، أقسمت ألا أفوت على نفسي أصغر التفاصيل، جلبت كل شعوري ورميته هناك في صحن المطاف مرة واحدة. ثم جمعته مرة أخرى على مهل، جمعته حينما وقفت لأصلي أحد الفروض عن يميني إندونيسية وعن يساري مصرية من الصعيد، وبجانبها قطرية وتليها تركية وهكذا حتى انتهى الصف، نقف كبنيان مختلف ألوانه، لذة للناظرين. حينما كنت أتأمل عجوز يتكئ على عصاه، بظهره المقوس، يطوف الكعبة راكعًا. وجمعته في اللحظة التي تلي انتهاء الآذان، وفي لحظة آمين، في هديل الحمام، وفي تسليمة صلاة الميت إلى اليمين. عادت مشاعري مغسولة بالماء والثلج والبرد.


هذي ليست زيارتي الأولى إلى مكة ولن تكون الأخيرة إن شاء الله، لكنني كنت عمياء في كل المرات السابقة، أطوف وأسعى وأصلي لأنهي ركن، وكأنني أقطع حديقة مسرعة لأصل إلى موعد تأخرت عنه. لم أمنح نفسي فرصة الالتفات، التوقف للحظة واحدة متأملة جمال المكان. لذا في هذه المرة فقط وجدت نفسي التي كنت أريدها، التي كانت مطمورة بفعل السنين، لا تقوى على التحرك ولا الخروج ولا حتى الموت، ملقاة على أطراف رحلة! أسقيتها ماء زمزم فاهتزت وربت. 

الأربعاء، 31 أغسطس 2016

أنا عادية






لازلت في نفس تلك الغابة التي تركتني فيها آخر مرة.

يظن الناس بأنك قد أحسنت إلي حينما ذهبت بي إلى هذا المكان، الجميع يعتقد أنني أعيش فيها كحلم أبيض، يخيل لهم أنني أرقص مع الأقزام السبعة كما في قصص الأساطير. لكنك تعلم بأنني لست بياض الثلج، ولا أملك فستان جميلًا، ولا أنتظر فارسًا ينقذني من التفاحة المسمومة. لا يوجد في الحياة أساطير ولا أميرات ولا أقزام. وحتى تلك الغابة التي يتحدث عنها الناس لا أستطيع الوصول إليها. أعيش هنا في منتصفها محاطة بأسوار لا أقترب من شيء ولا شيء يقترب مني، ولا أستطيع أن أهز إلي بجذع النخلة، قطوفها نائية، لا حول لي فيها ولا قوة. ما الذي تحاول الوصول إله من خلال لعبتك الخبيثة هذه؟ وضعتني في النعيم وحرمتني منه! بترت ذراعي فلا جدوى لي من مد يد العون لنفسي! ظلمتني وكسرتني ورميت بالذنب علي. تستر نفسك بملامتي.

يا لخبثك! لمَ لم أفكر بحيلتك من قبل؟ لمً انتظرت أن تحل علي العاقبة من السماء! كيف استطعت أن تجمل نفسك بتعاستي؟ ما الذي فعلته من قبل لأحصل على حياة غريبة مغلفة بهذه الطريقة؟ ما هو الاثم العظيم الذي اقترفته سابقًا؟ هل أنا مغفلة حين كنت أنظر إلى نفسي بأنني فتاة عادية جدًا؟ المشكلة أنني أنظر إلى نفسي بهذا المنظر حتى الآن! لست سوى فتاة عادية إذا أحبت شاركتها حواسها، وإذا كرهت واستها عينها، وإذا ضاق صدرها أهدت شخص يحبه قلبها، تحاول أن تذكر التفاصيل فتفشل، ترغب دائمًا بأن تكون أفضل، وتنسى في صبيحة يوم جديد ما أبكاها البارحة. هل يا ترى هذه أسباب كافية، أو ذنوب غير مغفورة حتى تضعني في قصص الأميرات وتفقدني سحري وتجردني من مملكتي؟!

دائمًا هناك أسئلة معلقة


السبت، 18 يونيو 2016

عنوان فارغ







ولدت بيد ممدودة، تأبى أن تربت على قلبي.


منذ الصغر و أنا لا أجيد مجابهة العواصف، أركض وأصرخ بصوت مبحوح، وحينما تخور قواي أنحني لأفرغ ما في قلبي، أنحني حتى يصبح ظهري هشاً،  ثم أستقيم. مهما كانت قوتها ومهما طالت مدتها هذه هي الطريقة الوحيدة التي أعرف، أو التي أجيدها بشكل أصح. لا أفوت فرصة أطلق ساقي سريعًا بدون تفكير. أسبق العاصفة، أتخطاهم، أرفعها عاليًا وأوقعها أرضًا، لا يهمني كل ذلك في تلك اللحظة، المهم أن أصل إلى تلك اللحظة الغبية التي يفرغ فيها قلبي.

أفكر دائمًا، لو أنني ولدت بذراعٍ سليمة، ويد لينة ، تلتف لتتلقف قلبي، تفرغه مما فيه ليظل الهدوء الذي يسبق العاصفة، أن تجعل العاصفة لا تصل أبدًا. ما الذي جعلها ممدودة قاسية على نفسها دائمًا، بلا مفاصل! كيف وصلت إلى هذه الحال، كيف أصبحت أسبق كل شيء حينما أركض، أسقط كل شيء ، ألا أشعر بأي شيء. من الذي جمد ذراعي لتصبح ممدودة هكذا بكل غباء ؟

أقنع نفسي بعد الانحناء والاستقامة أن العاصفة هي سبب كل ذلك، أن ساقي تجاريها، ويدي تصول وتجول في معركة معها، ليس الذنب ذنبي، أنا مجرد فتاة تحمي نفسها، تنقذ نفسها، تصل إلى ذلك الهدوء الذي تحبه بالرغم من جميع العواصف التي تسكنها، ليس من الممكن أن أتعايش مع جنون خارجي وداخلي، أريد السلام في أي جهة كانت. على الأقل أن أنصت إلى الضجيج من جانب واحد، أن أكون بيد ممدودة فقط، ولا أضيف إلى نفسي أذن صماء. أكتفي بإعاقة حياتية واحدة.


يبدو الكلام طويلا، ولا أجد له خلاصة لأخرج بفائدة، ولا أستطيع أن أجد النهاية لأقفله. لكن لو مررت في يوم ما بعاصفة ما ورأيت فتاة حمقاء تمد يدها بغباء، انتشلها. ستعود تلك اليد عليك بالنفع لا تقلق.

الثلاثاء، 12 أبريل 2016

أعطني طوق نجاة








أقف أمام شاطئك، متأملة ألوانك الهادئة التي أحبها جدًا، أستمع إلى صوت احتضانك لي بلهفة, شفافيتك التي تمكنني من رؤية وجهي وصدفاتك في آن واحد.  تلك هي الرقة التي عهدتها منك. لكنها دائمًا تقف في هذه المنطقة. أمام الشاطئ فقط. قبل تلك المنطقة الواسعة المجهولة الداكنة الغامضة التي تخيفني جدًا. تلك المنطقة التي تنتهي عندها تدرجات لونك الأزرق – وهو بالمناسبة لوني المفضل – لتصبح سوداء بشكل مريب.

كيف لي أن أحبك و أكرهك في الوقت ذاته, أحب بدايتك وأكره نهايتك؟ ما الذي يجعل قلبي غبيًا أحمقًا يرتجف خوفًا حينما يسير في تلك المنطقة المظلمة. أمشي فيها بخفة محاولة ألا أقع ألا أميل ألا أغرق في أعماقها. ألا أخوض معركة مع مياه مالحة , معركة لا أجيد السباحة فيها. كيف لك أن تجمع قلبين في جوفي؟ أن تصنع المستحيل وتقلب موازين الحياة ؟


لو أنك تدفنني داخلك، تجعل من نفسك جزيرة بشواطئ خلابة فقط. أو أن تقلب نفسك تحول ملحك الأجاج إلى عذب فرات، علمني السباحة وقرب إلي عمقك البعيد. فكر حاول أن تجعلني أتخطى هذه البقعة بسلام. حاول أن تقتلع مني أمنية سخيفة أتمناها كل ليلة. اجعلني أنتمي إلى هذا العمق ولا أتمنى أن أعود إلى الشاطئ أبدًا.

الأربعاء، 20 يناير 2016

قلبي مثل غيمة, لكن كسر




قلبي مثل غيمة, غيمة كبيرة جداً, بيضاء جدًا. وهش كقطعة حلوى قطن ملونة, دبقة تبقي أثرها على كل من يمر بها، تلصق بعضًا من سكرها عليهم. لم يكن يزعجني هذا الشيء بتاتًا, كنت أعلم يقينًا أن حجمه الذي يتقلص يوم بعد يوم سيرد في حين آخر. سترجعه تلك الأيادي الدبقة مرة أخرى. لم يكن في الحسبان أن تلك الأصابع ستلعقها أصحابها. يتنكروا من ذلك الطعم اللذيذ جدًا ويتركوني بقلب صغير جدًا ومكسور. قد يكون ذلك الخطأ كله خطأي. الأكيد بأنه خطأي ، أحيانًاً من الغباء أن تجعل من قلبك حلوى, أو غيمة, أن تحول قلبك إلى أشياء ثمينة, رطبة, أن تجعل قلبك مجرد ذكريات طفولة, أو بضع قطرات مطر يهرب الناس منها خوفاً ضاحكين. قلبي لم يكن ضعيفاً, أبدًا , لم يكن هزيلًا, بقدر ما كان حاويًا. أبدًا, أبدًا ..

قد يبدو من الأصح أن يبقى هذا القلب مجرد غيمة مكسورة, لا تعطي ولا تأخذ، أن تلقي ظهرها لأولئك الذين لا يهتمون ولا يلقون بالًا، ألا تسأل تلك الغيمة وتظل صامتة, تتحاشى, يحق لها أن ترسم على وجهها علامة العدم والازدراء واللاتقبل. ألا تظل تحوم فوق تلك الذكريات والمواقف التي كانت ترعد وتبرق فيها، ولا تندم عليها. يبدو كل ذلك رائعًا.

لكن السؤال الذي يحوم فوق رأسي. لم يكن عن كيفية كسر تلك الغيمة! بل هل ستظل هذه الغيمة مكسورة ؟ وهل لو ظلت كذلك ستكف عن المطر وعن كونها حلوى دبقة ؟