الأربعاء، 5 سبتمبر 2018

باسقة








في القرية القديمة. في منتصف مساحتها الصغيرة، على تلك الأرض الصلبة. كانت تقف تلك الشجرة العظيمة، بظلها البارد، وثمارها اليانعة، تطعم الجميع بلا منه ولم تكن تأبه في أي فصل من السنة كنا، دائمًا مزهرة. لم تتقوس، ولم تنثني لأي ريح، قائمة بذاتها، لم تحتج يوم لأي عون بشرية، تشرب من ماء السماء البارد فتحتفظ بقوتها حتى في أقسى أيام الصيف. أنا شخصياً كنت أحبها جدًا، آوي إلى ركن فيها هروبًا من كل شيء، أستند إليها وأرمي كل ثقلي عليها، أنفض عني كل ما خلفته الدنيا ثم أعود كما كنت، ولم أكن الوحيدة. كل سكان القرية كذلك. يجلسون وينفضون ويغسلون أنفسهم تحتها ويرحلون. فيها سر عجيب لا أحد يعرفه، تمتص كل ما يرمى إليها ولا تترك له أثر.

في كل مرة أزورها فيها أرفع يدي ناحية الغصن المتدلي لأقطف ثمرة مالت إلي باستحياء، ناضجة فيها لذة للناظرين، لكنني أرفع يدي وأنا أعلم أنها ربما تكون الثمرة المرة، نعم، الثمرة المرة. فعلى الرغم مما ذكر أعلاه إلا أن هذه الشجرة تزهر بثمرة مرة واحدة كل شهر. ولا يعلم أي أحد من سكان القرية في أي يوم وعلى أي غصن ستكون هذه الثمرة. مجهولة كليلة مباركة، لا تستساغ كحنظلة صحراوية حارقة. فأما أنا فكنت أحب عنصر المفاجأة، وأكملت أكل كل الثمار التي قطفتها، مهما كان طعمها. وأما أصحاب القرية الظالم أهلها فكان كل من تقع الثمرة الملعونة في يده ويكتشف طعمها بين أسنانه يقذف بها ناحية الشجرة ويمضي. وربما لا أستطيع إيجاد عذر لهم، لكن في نفس الوقت لا أستطيع لومهم. لا أحكم عليهم أبدًا، أقف في منطقة حرة في منتصف صراط مستقيم. وأتساءل بيني وبين نفسي في منطقتي الحرة ألا يستطيعون التغاضي وإكمال الثمرة؟

مع مضي الوقت والأيام، كبرت وكبرت الشجرة، ولم تعد تفاجأنا، وتلاشت تلك الثمرات المقضومة من أسفلها. لا أدري إذا كان أهل قريتي قد تبين لهم هذا التغيير الكبير أم لا؟ أم أنهم تنفسوا الصعداء فرحاً بانتهاء أزمة المرارة من حياتهم. لا زالوا على عادتهم يستلقون يغتسلون ويأكلون ثم يولون هاربين إلى الحياة مرة أخرى. أما أنا فانقطعت علاقتي بها، تغيرت فتغيرت عليها، أحسست بأنها مالت وعبست وتولت. حتى جاء ذلك اليوم الذي سمعنا فيه دوي ارتطام عظيم، وكأنها الصيحة الأولى إلا أننا أفقنا مفجوعين، نركض في كل اتجاه نعلل سبب ذلك الصوت. حتى حشرنا كلنا في مكان واحد، أمام الشجرة، وقد سقطت على الأرض مقسومة جوفاء منخورة وممتلئة بأحزاننا من الداخل. ماتت الشجرة.