الأربعاء، 20 مايو 2020

إنه كان بي حفيا






كنت عطشى، أشعر بالظمأ ولا أرتوي أبداً، والأرض قاحلة والسماء صحو، ولا أدري أين أولي وجهي، وفي أي جهة أمد لساني الجاف، وكيف أرمم سقف حلقي المتهالك. أحاكي هاجر عليها السلام في الصعود والنزول، مع يقيني بأن لا أحد معي فيفجر الله من تحته لي عيناً أرتوي منها. حينما أصعد قمة الجبل أرقب ماء ليس بالبعيد يتلألأ، يغريني بالاقتراب أكثر، فأنزل! وأصدق واقترب، ثم أقترب، وأكاد أصل، وأطمئن نفسي بأنه بقي القليل، ها هو هناك، وأظل على تلك الحال حتى يحل الليل، فيطرحني التعب أرضاً، أستسلم وأرفض الركض خلف المجهول، ثم يحل الصباح ثانية فأرى نفس بقعة الماء، بنفس اللمعان، وبإغراء أكثر أقوم فأركض خلفه مرة أخرى. وهكذا حتى مللت وتوقفت. وليت أن الملل تلبسني منذ السعي الأول. وقفت وبكل يأس نظرت نحو السماء، إنها الوسيلة الوحيدة منذ الأزل، الوسيلة الوحيدة ليخرج من الأرض زمزمٌ خاص بي أنا، لي وحدي، الطريقة التي سيتحول فيها السراب إلى حقيقة. وهي عادتي القبيحة في تذكر الأشياء عند اليأس، أو أن أعرف إلام تؤول الأشياء بعد فوات الأوان. ما يفرقني عن هاجر أنه منذ البداية عرفت أن الله لن يضيعها، رأت مستقبلها المخضر في وسط حاضرها الأجدب! حينما أيقنت أنه أمر الله، كانت تصعد وتهبط وهي تعلم يقيناً في قلبها أن الله سيرسل الخير، أنه هو سبحانه بيده سيغير الكون من أجلها، سيقول كن فيكون. وأنا وصلت لهذا اليقين متأخرة. ولكن وصلت! والوصول بالنسبة هو أهم نتيجة في الرحلة، حتى لو كانت الخطى بطيئة، ومتعثرة، وعشوائية. وبيقين هاجر، واطمئنان قلب إبراهيم، وبعطش إسماعيل عليهم جميعاً السلام، رفعت يدي نحو المساء مبتهلة متضرعة، أرجو من الله وأطلبه أن يسقيني شربة ماء، شربة بسيطة لعلي أكمل بها مسيري نحو المجهول.
وإذا بالسماء تمطر.