الأحد، 15 يوليو 2018

حلوة، لم يذقها أحد من قبل





موجودة في هذا المكان منذ زمن، لا تعلم أي يد ألقت بها هنا بعناية، أو أي رياح رمتها بعفوية، لا تذكر اللحظة الأولى أبدًا. ولا يبدو أن ذلك يهمها، أفاقت وهي مدفونة تحت أرض رطبة، تفكر في ماهيتها غداً، عن كمية الأشجار التي ستنبت من حولها، وعن اللاتي سبقنهن بالإحسان، تنتظر اللحظة المناسبة لتزهر، قضت جل وقتها في التفكر في كمية الأصدقاء الذين سيحفونها، عند عدد الحيوانات التي ستتسلقها، والطيور التي ستنقر أغصانها وجذعها. تفكر في اللحظة التي تنقضي عندها الوحدة ويبدأ عهد الغابة. اللحظة التي ستزهر فيها.

لم تستطع أن تميز نوع البرعم الذي ولدته للحياة، أخضراً زاهياً، أو أنها ربما لم تنتبه له. ذلك البرعم الهش الذي يحاول جهداً أن ينبت نفسه ولو على حساب استقامته، يقاتل من أجل الحياة. ينظر إلى الأسفل، إلى بذرته الأم، يستجديها لعلها تمده بالقوة الكافية حتى يشق طريقه، بلا فائدة. ليخرج إلى سطح الأرض لينًا متقوساً نحو الأسفل، لا يستطيع الاستقامة ليرى حاضره ومستقبل أمه.

إلى أي درجة هي غبية هذه البذرة؟ ماهي الأحكام التي ستلقيها عليها البذور الأخرى؟ ما الذي كان يجب عليها فعله في تلك اللحظات الفارغة؟ ما هو الاكتشاف وأين تجده؟ من هو الملام الحقيقي في هذه المسألة؟ البذرة! أم الجهل؟ لا أستطيع لومها وهي تنتظر الغد لتعرف اليوم، لن تقدر على خلق ذكريات من العدم! وغريب أن تبني الماضي من المستقبل! في تلك اللحظات بالذات كيف لتلك البذرة أن تعيش وهي لا تعرف إن كانت حامض أو سكر! فاكهة أو خضر! لا شيء. لا شيء في ذلك الوقت سوى اللاشيء، اللاتجربة، اللامعرفة. الترقب فقط.

حينما حانت اللحظة وآن لها أن تزهر وتبصر النور، وضعت كل قوتها في تلك اللحظة، وفي تلك اللحظة بالذات بدأ حلمها يتوسع ويتضاعف، والغابة التي كانت ترى نفسها فيها أصبحت أكبر و أضخم، حينما اقترب الحلم غلت فيه. وعند الوصول لم تكن سوى نخلة في واحة صحراوية. وحدها أمام كثبان واسعة رملية. حلوة المذاق سكرية. هناك وحدها.