الخميس، 22 أغسطس 2019

كل عام و أنتِ حبيبتي












لا أستطيع أن أصدق بأنها عشر سنوات فقط! في قلبي كأنها مئة عام. نضجت خلالها في الليلة ألف مرة، صار المستقبل فيها أمساً، والغامض والمجهول أصبح تجاربًا، والذي كنت أنتظره البارحة صار شيء من الخيال. حلم رمادي.
الشيء الذي يجعل القشعريرة تسري في قلبي هو مضي كل ذلك الوقت وإثباته هنا، في كل سنة مرت وكتبت فيها، وكبرت فيها. كل شي موجود هنا وواضح في كل حرف كتبته، في كل عنوان اخترته، في ثبات الوقت الذي خلقت فيه كل تدوينه، في اختيار الصور، واختلاف المواضيع، بكل ما فيها من حقيقة وخيال. في موج التدوينات المتضارب، في سنة يكون مداً وفي أخرى يكون جزرا. في كل الأوقات التي خاصمتها فيها وهجرتها، في تعليقات الأحباء والغرباء. كل ذلك يثبت أن الوقت مضى، مضى بحلوه ومره.

المكان ثابت، وربما الكلمات تتكرر، والأسئلة تتدور، وأنا العنصر المتغير في هذا كله، الحقيقة المتغيرة التي لا رهان عليها، لا كذب فيها، الحقيقة التي ظلت تكتب وتخرج مافي جوفها من كلام في كل مرة لا تستطيع أن تبتلعه، في كل مرة تشعر فيها باقتراب الموت والاختناق مع مرور الأيام، في المرات التي كبر رأسي فيها من كثرة الأفكار، كل المرات كانت ثابته وأنا من تغيرت، هذا المكان كان ثابتًا، يقف بصلابة كي أتكئ عليه، كي أستند إليه،  أفلا يحق لي بعد مرور كل هذه السنين أن أقول بأنني أشعر حقاً أن هذا المكان ابنتي، قطعة مني، أم لايزال الأمر مستنكراً!
دمت لألف سنة يا صغيرة.

الاثنين، 29 يوليو 2019

هل كانت لوحة سائبة !






أراها هناك، بعيدة كل البعد، قريبة أكثر من أي شي آخر في الوقت ذاته، معلقة كلوحة مسروقة في متحف عظيم. بألوان زاهية تجعل كل من يمر بجابها يقف، يقف متأملاً، أو مدهوشاً. ومع كل وقفة أتسائل يا ترى هل سأشعر بالشعور ذاته لو اقتربت، هل ستكون الألوان أكثر زهاءً عن قرب، في الوقت نفسه أتسائل هل يدرك أحدهم أن هذا الجمال الطاغي قد سرق؟  من قد يقرر ملكية الآثار؟ من يرثها من بعد أصحابها؟ هل يجب عليها أن تفنى معهم؟ أو يحرقون معها؟ أمر كل يوم وأراها معقة بكل جمال ولا أستطيع أن أمد يدي ناحيتها أو أن أنطق الحق فأقول أنها سرقت. من سيكسب أنا، أم المتحف العظيم؟ أعتقد أنها حرب خاسرة ب بابتسامة موناليزية تلاحقني في كل مكان.

المكان في غرفتي مازال فارغاً من أجلها، ينتظر عودتها بغباء، اصفرت المساحة مخلفة مستطيلاً قذراً وكأن خيالها كان معلق كل ذلك الوقت حاجباً أشعة الشمس من التغلغل ناحية الجدار. تصدأ المسمار والتوى، مل من الوقوف واستسلم للموت خائر القوى، ظل متماسكًا لمدة طويلة منتظراً تلك اللوحة أن تعلق، ولا أحد يطيق الانتظار، حتى المسامير. ولا أقول بأنني لم أحاول مسبقاً إخفاء البقعة، لكن لا شيء يتماثل معها إطلاقاً، إما يكون كبيراً ثقيلاً فيسقط، أو صغيراً يحفه اللون الأصفر من كل مكان. هل من الأفضل أن أنزع المسمار من مكانه وأطلي المساحة على الرغم من أنني لن أصل لنفس الدرجة في الجدار نفسه، أن أطمس الثقب الذي خلفه المسمار الصدئ بطبقة خفيفة من طلاء؟ أم أكتفي بأن أقتني إطاراً فارغاً مناسباً وأعلقه لأذكر نفسي بأنني كنت فنانة في يوم ما، وألا أقف وأكتفي بلوحة واحدة؟ أن أظل أرسم حتى تنتهي الألوان من على وجه الأرض؟ أو أرسم فوقها شمس تستمد لونها من الصفرة التي لم تعرف النور يومًا؟


الأحد، 24 مارس 2019

فارغة









حينما قررت الدخول والقتال بين الكروم لاقتطاف ما شئت من أنواع العنب الحامضة الحلوة في الوقت ذاته، اخترت السلة الأكبر لأجمع فيها. وقع عليها ناظري منذ أن وقفت في الصف منتظرة دوري أن يحين. فبالرغم من أنها كانت كبيرة الحجم جداً مقارنة بجسمي الهزيل إلا أنني قلت في نفسي " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" وأنا أشعر بأنه يسعني بل يسعدني أن أحمل كل ذلك القش المجدول على ظهري. وبالرغم من النصائح العديدة التي قدمت لي، وبالرغم من كل ذلك الهمس الذي كان يدور حولي إلا أنني ظللت متمسكة باختياري، وحملت السلة وعلقتها على كتفي وسرت متجهة نحو كروم العنب الخضراء. في بداية الأمر كنت أجمع أي عنقود تقع عليه عيني، أحمر أخضر أسود أزرق، لا يهم، كنت أريد أن أجرب كل لون وكل طعم وكل شجرة. ومع مرور الوقت أصبحت سلتي شبه ممتلئة، وأنا لم أقطع نصف المسافة حتى الآن، لذا بعد أن جربت وتعلمت وعرفت أو أستطيع أن أقول شبه من كل ما سبق، قررت أن أفرز ما في السلة، فأحتفظ بالأفضل. واستفيد من كل تلك المسافة التي قطعت فأتذوق أو أقرر حسب تجربة سابقة ثم أضم ما وجدته مناسباً إلى سلتي.
قد تكون كمية الوقت التي قضيتها في تلك الكروم هي السبب! لا أدري، لكنني بدأت أشعر بأنني اعتدت على ثقل السلة وراء ظهري، ولم أعد أحس بحجمها، وكأنها رجعت خفيفة مرة أخرى. كأول مرة استلمتها فيها. أوليس ذلك من الخبرة والكفاح؟ ألا يعني ذلك أنني بالفعل قطعت شوطاً طويلاً، وأنني أكاد أصل إلى النهاية؟ ومن أجل ذلك قررت أن أتوقف قليلاً لأنعم بالقليل من الراحة، ولا أدري كم مر وقت على استراحتي، لكن يبدو أنه مر الكثير حيث أنه مر علي أشخاص لم أرهم في أول المطاف عند نقطة الانطلاق. لا يهم، أليس كذلك؟ ما يوضع في الحسبان أنني شارفت على الانتهاء. لذا قررت الاكتفاء من الراحة والانطلاق مرة أخرى، حتى استوقفني شخص يمشي تائهاً بين الكروم، لا يدري حتى الآن أيها يقطف، و أيها يتجاهل؟ ما هو الحلو وما هو الحامض؟ فالتفت ناحيتي متسائلاً كيف أبداً؟ ابتسمت وقبل أن أفتح فمي لأجيبه على سؤاله إذا به يلتفت ناحية سلتي، ليبتسم بسخرية فيقول: يبدو أنك آخر شخص يطرح عليه سؤال كهذا! فيبدو أنك لست الشخص الذي أريد أن أكون. لا أريد لسلتي أن تظل فارغة. نظرت نحوه ببلاهة والتفت ناحية سلتي لأخذ منها بعض مما جمعت، فأحشرها في فمه ليسكت. لكن الصدمة أنني حينما التفت. كانت السلة فعلاً فارغة!! صدمت ولطمت وبكيت، ظننت أن أحدهم سرقني، وأن تعبي كله قد نهب. لكن حالما هدأت واقتربت من السلة اكتشفت أنها مثقوبة. فبُهتُ! كيف لهذا أن يحدث! ما هي الأسباب التي جعلت الحال ينتهي بي إلى شخص بسلة مثقوبة، بلا تجربة، بلا قرارات! ومازلت حتى هذه اللحظة أحاول أن أصل إلى السبب. هل أنا كنت مخطئة حينما حملت السلة أكثر من طاقتها؟ أم أن الشمس الحارة كانت كفيلة بإضعاف قشها؟ أم أن أحدهم قد هشمها؟ وإن كانت بفعل شخص آخر، هل كان متعمداً أم بدون انتباه؟. هل أعود لأجمع ما سقط؟ أم أكتفي بأن أجمع ما أستطيعه بيدي؟ هل أستطيع إصلاح السلة؟ أم أنه فات الأوان؟ وقفت في مكاني أنظر بيأس ناحية سلتي في مكان قريب من النهاية متحسرة وباكية على العنب المنثور. هل أنا بلهاء لأفعل ذلك؟

الثلاثاء، 5 مارس 2019

لدي وحش فوق سريري، لكنني لست خائفة!








هل من الطبيعي أن تريد القفز إلى فوهة البركان؟ ليس من أجل أن تموت! لا على العكس إطلاقاً، أن تقفز داخلها لتعيش! لتجعل شيئاً ما بداخلك يهزم. صديق قديم اكتشفت ملازمته لك مؤخراً. كنت تظن في كل مرة تراه فيها أنه مجرد انعكاس لك. مجرد خلقٌ حسن وهبك الله إياه. وفي بعض الأحيان حسبت أنه صخرة رميت في طريقك خلسة ولم تستطع تحريكها. من المفجع أن تكتشف أنه يقاتلك ويهزمك ولم يكن ذلك بسبب قوته، أبداً! لم تكن تحتاج إلى قوة إضافية حتى تمنعه، خلقت بقوة تكفيك دهراً، لكنه الاستسلام، عدم الفهم، الانعطاف الخاطئ، لا أدري ماذا يطلق على ذلك الشعور ناحيته، ربما سذاجة؟ لكن هل السذاجة تعد شعوراً؟ هل تلازمك السذاجة مع مواقف معينة فقط؟ وتكون فطناً في مواقف أخرى؟ لا أدري لم أصل إلى إجابة كاملة شافية نحو هذا الصديق الملازم. أملك نصف إجابة فقط، وربما يكون النصف الأخر مخفياً أو مأكولاً كرغيف يابس. ولست مستاءة المهم إنني وصلت إلى المكان الذي سألت فيه نفسي. المكان الذي توقفت عنده وانتبهت وفكرت وطرحت ملايين الأسئلة. عرفت أنه هناك مشكلة تحتاج سؤالاً. قطعت شوطاً عظيماً حتى وصلت إلى هذه المرحلة. ولم أكن لأفعل ذلك لولا الأرق. ذلك الوقت الثمين الضائع، يهبك الأرق في بعض الأحيان هدية فلا تكتشفها بعد مضي الكثير والكثير من الوقت. ففي السابق كنت أتقلب وأتخبط في فراشي أحاول تجريب كل طقوس استدعاء النوم التي كانت تبوء بالفشل في أحيانًا كثيرة، وحين تفشل كل تلك الطقوس وتسقط كل الخراف على رأسي أزيح ستارة المستقبل قليلاً وأبدأ في لعب أدوار مترقبة، متوقعة، أو متمناه وغالباً ما تكون مستحيلة. يضيع الوقت في التفكير بأشياء بلا معنى. لكن يبدو أن الأرق يحدث لسبب، يحدث لأنك كنت تنام داخلياً، يحدث لأجل كل تلك الأفكار والأحداث التي تراكمت فوق ظهرك طوال تلك السنين الماضية، يتغذى على كل المواقف التي لم تقف عليها ولم تسأل نفسك فيها سؤالاً واحداً، يعيش من أجل كل الأشياء التي فعلتها أو لم تفعلها. لأجل كل الأشياء التي قلتها أو لم تقلها. لكل تلك الأحلام والصدف التي علقت على أصابع الندم لتلعقها قبل أن تأكلها كل سنوات عمرك القادمة. ولهذا يكبر الأرق شيئاً فشيء حتى يقبع على صدرك كل ليلة كجاثوم عجوز، تعتقد أنه عمر ألف سنة في وقت قيلولتك عصراً. فتحاربه بخرافك! لن يزول هذا العجوز حتى تقتله. يجب أن تنهي كل سبب وجد من أجله، خلق من أجله. أن تمحي كل شعور لازال يعلقك بالماضي، يجرك ناحيته، يسحبك، يقتص منك ويؤلمك. انتبه لمكانك، واعرف إلى أين سارت بك رجلاك؟ أين وصلت، وماهي وجهتك؟

من هنا بدأت أتعرف على نفسي وعلى الأصدقاء الملازمين وعلى كل أمنياتي الجديدة وعلى كل الأحلام التي علقت مصلوبة على كتفاي تنتظر من الله أن يرفعها إليه. أعرف في تلك اللحظات أنني كبرت عن الليلة الفائتة، أني أريد الوصول إلى القاع وأنا لم تتعلم السباحة. أنني لا أفكر بالتملك، ولا يهمني الرفض وأن اللامبالاة والتهميش تكسرني إلى الأبد. أنني منذ الأزل وحتى الآن لا زلت لا أحب الحزن وأنني مجرد شخص تورط به، كطفل ضائع يمسك بفستاني باكياً يطلب مني أن أبحث عن والدته. وأنني ربما سأبكي معه وأبحث عنها، المهم أن أعطي لحظة الضياع وقتها وحقها. وأنه سيأتي يوم تخور فيه القوى، ويتغير فيه كل شيء، وأن الانتظار دائمًا متعب وقاتل. ولو أنني اكتشفت من ملازمة الأرق لي في الليالي الماضية أنني سوف أستيقظ. ولن أهتم. أن أدرك أنني أنضج الآن، وأنني إلى الأبد عقل امرأة وقلب صبية. أن أتصالح، أتصالح من نفسي فقط، أنا ومن بعدي الطوفان، لأتحرك أنا أولاً حتى يغير الله ما بي.لكفاني.

ترى ما الذي يمكن أن تهديه لنا الحياة فنغفل عنه، ولا نفك عنه أربطته، ونلقيه بعيداً مكوماً مع أشياء أخرى لاتهم؟ هل نحتاج فعلاً أن نكبر يوماً أو عاماً أو نتخطى سناً معينة حتى نصل إلى مرحلة الإدراك، ألا نستطيع أن ندرك قبل الأوان؟ ما فائدة الإدراك إذا مضى الوقت؟ أم أنها سنة الحياة؟ أو ربما هي مجرد تراكمات تجارب تلقى عليك بالية فتظن أنك لا تستطيع ارتدائها أو لن تصبح مقاسك أبداً، فتكبر وحينما تحاول بكل غباء التراجع ومحاولة لبسها تجدها اختفت وولت أو باتت صغيرة عليك. ليست على قياسك. هل أستطيع أن أعود إلى تلك الليالي التي كنت أتقلب فيها باحثة عن النوم فأدرك فيها كل شيء؟ هل سأجد إجابة؟ على الأقل ذلك لا يهمني الآن.