الأحد، 24 مارس 2019

فارغة









حينما قررت الدخول والقتال بين الكروم لاقتطاف ما شئت من أنواع العنب الحامضة الحلوة في الوقت ذاته، اخترت السلة الأكبر لأجمع فيها. وقع عليها ناظري منذ أن وقفت في الصف منتظرة دوري أن يحين. فبالرغم من أنها كانت كبيرة الحجم جداً مقارنة بجسمي الهزيل إلا أنني قلت في نفسي " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" وأنا أشعر بأنه يسعني بل يسعدني أن أحمل كل ذلك القش المجدول على ظهري. وبالرغم من النصائح العديدة التي قدمت لي، وبالرغم من كل ذلك الهمس الذي كان يدور حولي إلا أنني ظللت متمسكة باختياري، وحملت السلة وعلقتها على كتفي وسرت متجهة نحو كروم العنب الخضراء. في بداية الأمر كنت أجمع أي عنقود تقع عليه عيني، أحمر أخضر أسود أزرق، لا يهم، كنت أريد أن أجرب كل لون وكل طعم وكل شجرة. ومع مرور الوقت أصبحت سلتي شبه ممتلئة، وأنا لم أقطع نصف المسافة حتى الآن، لذا بعد أن جربت وتعلمت وعرفت أو أستطيع أن أقول شبه من كل ما سبق، قررت أن أفرز ما في السلة، فأحتفظ بالأفضل. واستفيد من كل تلك المسافة التي قطعت فأتذوق أو أقرر حسب تجربة سابقة ثم أضم ما وجدته مناسباً إلى سلتي.
قد تكون كمية الوقت التي قضيتها في تلك الكروم هي السبب! لا أدري، لكنني بدأت أشعر بأنني اعتدت على ثقل السلة وراء ظهري، ولم أعد أحس بحجمها، وكأنها رجعت خفيفة مرة أخرى. كأول مرة استلمتها فيها. أوليس ذلك من الخبرة والكفاح؟ ألا يعني ذلك أنني بالفعل قطعت شوطاً طويلاً، وأنني أكاد أصل إلى النهاية؟ ومن أجل ذلك قررت أن أتوقف قليلاً لأنعم بالقليل من الراحة، ولا أدري كم مر وقت على استراحتي، لكن يبدو أنه مر الكثير حيث أنه مر علي أشخاص لم أرهم في أول المطاف عند نقطة الانطلاق. لا يهم، أليس كذلك؟ ما يوضع في الحسبان أنني شارفت على الانتهاء. لذا قررت الاكتفاء من الراحة والانطلاق مرة أخرى، حتى استوقفني شخص يمشي تائهاً بين الكروم، لا يدري حتى الآن أيها يقطف، و أيها يتجاهل؟ ما هو الحلو وما هو الحامض؟ فالتفت ناحيتي متسائلاً كيف أبداً؟ ابتسمت وقبل أن أفتح فمي لأجيبه على سؤاله إذا به يلتفت ناحية سلتي، ليبتسم بسخرية فيقول: يبدو أنك آخر شخص يطرح عليه سؤال كهذا! فيبدو أنك لست الشخص الذي أريد أن أكون. لا أريد لسلتي أن تظل فارغة. نظرت نحوه ببلاهة والتفت ناحية سلتي لأخذ منها بعض مما جمعت، فأحشرها في فمه ليسكت. لكن الصدمة أنني حينما التفت. كانت السلة فعلاً فارغة!! صدمت ولطمت وبكيت، ظننت أن أحدهم سرقني، وأن تعبي كله قد نهب. لكن حالما هدأت واقتربت من السلة اكتشفت أنها مثقوبة. فبُهتُ! كيف لهذا أن يحدث! ما هي الأسباب التي جعلت الحال ينتهي بي إلى شخص بسلة مثقوبة، بلا تجربة، بلا قرارات! ومازلت حتى هذه اللحظة أحاول أن أصل إلى السبب. هل أنا كنت مخطئة حينما حملت السلة أكثر من طاقتها؟ أم أن الشمس الحارة كانت كفيلة بإضعاف قشها؟ أم أن أحدهم قد هشمها؟ وإن كانت بفعل شخص آخر، هل كان متعمداً أم بدون انتباه؟. هل أعود لأجمع ما سقط؟ أم أكتفي بأن أجمع ما أستطيعه بيدي؟ هل أستطيع إصلاح السلة؟ أم أنه فات الأوان؟ وقفت في مكاني أنظر بيأس ناحية سلتي في مكان قريب من النهاية متحسرة وباكية على العنب المنثور. هل أنا بلهاء لأفعل ذلك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق