الأحد، 6 نوفمبر 2016

عُمرة





الثلاث أيام الماضية كنت أسبح وحدي – ولأول مرة -  في بحور الروحانية، أثني أصابعي لأعد أشواط الطواف وحدي، لم يصاحبني أحد، ولم يعكر صفو عمرتي سؤال عن عدد، كنت أطوف، وأسعى، وأناجي الله وحدي. أشعر وكأن هذه الدنيا قد خلت، وبقيت هناك أدور حول الكعبة رافعة بصري نحو السماء، أصعد نحوها في كل دورة.  اقترب من الله أكثر وأكثر. في هذه الرحلة عرفت معنى أن تولد من جديد، قصصت أنا القديمة مع خصلات شعري المتناثرة حينما أنهيت عمرتي. حملت معي ذاتي وانطلقت أجوب الساحات وأدور تحت المآذن، أقسمت ألا أفوت على نفسي أصغر التفاصيل، جلبت كل شعوري ورميته هناك في صحن المطاف مرة واحدة. ثم جمعته مرة أخرى على مهل، جمعته حينما وقفت لأصلي أحد الفروض عن يميني إندونيسية وعن يساري مصرية من الصعيد، وبجانبها قطرية وتليها تركية وهكذا حتى انتهى الصف، نقف كبنيان مختلف ألوانه، لذة للناظرين. حينما كنت أتأمل عجوز يتكئ على عصاه، بظهره المقوس، يطوف الكعبة راكعًا. وجمعته في اللحظة التي تلي انتهاء الآذان، وفي لحظة آمين، في هديل الحمام، وفي تسليمة صلاة الميت إلى اليمين. عادت مشاعري مغسولة بالماء والثلج والبرد.


هذي ليست زيارتي الأولى إلى مكة ولن تكون الأخيرة إن شاء الله، لكنني كنت عمياء في كل المرات السابقة، أطوف وأسعى وأصلي لأنهي ركن، وكأنني أقطع حديقة مسرعة لأصل إلى موعد تأخرت عنه. لم أمنح نفسي فرصة الالتفات، التوقف للحظة واحدة متأملة جمال المكان. لذا في هذه المرة فقط وجدت نفسي التي كنت أريدها، التي كانت مطمورة بفعل السنين، لا تقوى على التحرك ولا الخروج ولا حتى الموت، ملقاة على أطراف رحلة! أسقيتها ماء زمزم فاهتزت وربت. 

الأربعاء، 31 أغسطس 2016

أنا عادية






لازلت في نفس تلك الغابة التي تركتني فيها آخر مرة.

يظن الناس بأنك قد أحسنت إلي حينما ذهبت بي إلى هذا المكان، الجميع يعتقد أنني أعيش فيها كحلم أبيض، يخيل لهم أنني أرقص مع الأقزام السبعة كما في قصص الأساطير. لكنك تعلم بأنني لست بياض الثلج، ولا أملك فستان جميلًا، ولا أنتظر فارسًا ينقذني من التفاحة المسمومة. لا يوجد في الحياة أساطير ولا أميرات ولا أقزام. وحتى تلك الغابة التي يتحدث عنها الناس لا أستطيع الوصول إليها. أعيش هنا في منتصفها محاطة بأسوار لا أقترب من شيء ولا شيء يقترب مني، ولا أستطيع أن أهز إلي بجذع النخلة، قطوفها نائية، لا حول لي فيها ولا قوة. ما الذي تحاول الوصول إله من خلال لعبتك الخبيثة هذه؟ وضعتني في النعيم وحرمتني منه! بترت ذراعي فلا جدوى لي من مد يد العون لنفسي! ظلمتني وكسرتني ورميت بالذنب علي. تستر نفسك بملامتي.

يا لخبثك! لمَ لم أفكر بحيلتك من قبل؟ لمً انتظرت أن تحل علي العاقبة من السماء! كيف استطعت أن تجمل نفسك بتعاستي؟ ما الذي فعلته من قبل لأحصل على حياة غريبة مغلفة بهذه الطريقة؟ ما هو الاثم العظيم الذي اقترفته سابقًا؟ هل أنا مغفلة حين كنت أنظر إلى نفسي بأنني فتاة عادية جدًا؟ المشكلة أنني أنظر إلى نفسي بهذا المنظر حتى الآن! لست سوى فتاة عادية إذا أحبت شاركتها حواسها، وإذا كرهت واستها عينها، وإذا ضاق صدرها أهدت شخص يحبه قلبها، تحاول أن تذكر التفاصيل فتفشل، ترغب دائمًا بأن تكون أفضل، وتنسى في صبيحة يوم جديد ما أبكاها البارحة. هل يا ترى هذه أسباب كافية، أو ذنوب غير مغفورة حتى تضعني في قصص الأميرات وتفقدني سحري وتجردني من مملكتي؟!

دائمًا هناك أسئلة معلقة


السبت، 18 يونيو 2016

عنوان فارغ







ولدت بيد ممدودة، تأبى أن تربت على قلبي.


منذ الصغر و أنا لا أجيد مجابهة العواصف، أركض وأصرخ بصوت مبحوح، وحينما تخور قواي أنحني لأفرغ ما في قلبي، أنحني حتى يصبح ظهري هشاً،  ثم أستقيم. مهما كانت قوتها ومهما طالت مدتها هذه هي الطريقة الوحيدة التي أعرف، أو التي أجيدها بشكل أصح. لا أفوت فرصة أطلق ساقي سريعًا بدون تفكير. أسبق العاصفة، أتخطاهم، أرفعها عاليًا وأوقعها أرضًا، لا يهمني كل ذلك في تلك اللحظة، المهم أن أصل إلى تلك اللحظة الغبية التي يفرغ فيها قلبي.

أفكر دائمًا، لو أنني ولدت بذراعٍ سليمة، ويد لينة ، تلتف لتتلقف قلبي، تفرغه مما فيه ليظل الهدوء الذي يسبق العاصفة، أن تجعل العاصفة لا تصل أبدًا. ما الذي جعلها ممدودة قاسية على نفسها دائمًا، بلا مفاصل! كيف وصلت إلى هذه الحال، كيف أصبحت أسبق كل شيء حينما أركض، أسقط كل شيء ، ألا أشعر بأي شيء. من الذي جمد ذراعي لتصبح ممدودة هكذا بكل غباء ؟

أقنع نفسي بعد الانحناء والاستقامة أن العاصفة هي سبب كل ذلك، أن ساقي تجاريها، ويدي تصول وتجول في معركة معها، ليس الذنب ذنبي، أنا مجرد فتاة تحمي نفسها، تنقذ نفسها، تصل إلى ذلك الهدوء الذي تحبه بالرغم من جميع العواصف التي تسكنها، ليس من الممكن أن أتعايش مع جنون خارجي وداخلي، أريد السلام في أي جهة كانت. على الأقل أن أنصت إلى الضجيج من جانب واحد، أن أكون بيد ممدودة فقط، ولا أضيف إلى نفسي أذن صماء. أكتفي بإعاقة حياتية واحدة.


يبدو الكلام طويلا، ولا أجد له خلاصة لأخرج بفائدة، ولا أستطيع أن أجد النهاية لأقفله. لكن لو مررت في يوم ما بعاصفة ما ورأيت فتاة حمقاء تمد يدها بغباء، انتشلها. ستعود تلك اليد عليك بالنفع لا تقلق.

الثلاثاء، 12 أبريل 2016

أعطني طوق نجاة








أقف أمام شاطئك، متأملة ألوانك الهادئة التي أحبها جدًا، أستمع إلى صوت احتضانك لي بلهفة, شفافيتك التي تمكنني من رؤية وجهي وصدفاتك في آن واحد.  تلك هي الرقة التي عهدتها منك. لكنها دائمًا تقف في هذه المنطقة. أمام الشاطئ فقط. قبل تلك المنطقة الواسعة المجهولة الداكنة الغامضة التي تخيفني جدًا. تلك المنطقة التي تنتهي عندها تدرجات لونك الأزرق – وهو بالمناسبة لوني المفضل – لتصبح سوداء بشكل مريب.

كيف لي أن أحبك و أكرهك في الوقت ذاته, أحب بدايتك وأكره نهايتك؟ ما الذي يجعل قلبي غبيًا أحمقًا يرتجف خوفًا حينما يسير في تلك المنطقة المظلمة. أمشي فيها بخفة محاولة ألا أقع ألا أميل ألا أغرق في أعماقها. ألا أخوض معركة مع مياه مالحة , معركة لا أجيد السباحة فيها. كيف لك أن تجمع قلبين في جوفي؟ أن تصنع المستحيل وتقلب موازين الحياة ؟


لو أنك تدفنني داخلك، تجعل من نفسك جزيرة بشواطئ خلابة فقط. أو أن تقلب نفسك تحول ملحك الأجاج إلى عذب فرات، علمني السباحة وقرب إلي عمقك البعيد. فكر حاول أن تجعلني أتخطى هذه البقعة بسلام. حاول أن تقتلع مني أمنية سخيفة أتمناها كل ليلة. اجعلني أنتمي إلى هذا العمق ولا أتمنى أن أعود إلى الشاطئ أبدًا.

الأربعاء، 20 يناير 2016

قلبي مثل غيمة, لكن كسر




قلبي مثل غيمة, غيمة كبيرة جداً, بيضاء جدًا. وهش كقطعة حلوى قطن ملونة, دبقة تبقي أثرها على كل من يمر بها، تلصق بعضًا من سكرها عليهم. لم يكن يزعجني هذا الشيء بتاتًا, كنت أعلم يقينًا أن حجمه الذي يتقلص يوم بعد يوم سيرد في حين آخر. سترجعه تلك الأيادي الدبقة مرة أخرى. لم يكن في الحسبان أن تلك الأصابع ستلعقها أصحابها. يتنكروا من ذلك الطعم اللذيذ جدًا ويتركوني بقلب صغير جدًا ومكسور. قد يكون ذلك الخطأ كله خطأي. الأكيد بأنه خطأي ، أحيانًاً من الغباء أن تجعل من قلبك حلوى, أو غيمة, أن تحول قلبك إلى أشياء ثمينة, رطبة, أن تجعل قلبك مجرد ذكريات طفولة, أو بضع قطرات مطر يهرب الناس منها خوفاً ضاحكين. قلبي لم يكن ضعيفاً, أبدًا , لم يكن هزيلًا, بقدر ما كان حاويًا. أبدًا, أبدًا ..

قد يبدو من الأصح أن يبقى هذا القلب مجرد غيمة مكسورة, لا تعطي ولا تأخذ، أن تلقي ظهرها لأولئك الذين لا يهتمون ولا يلقون بالًا، ألا تسأل تلك الغيمة وتظل صامتة, تتحاشى, يحق لها أن ترسم على وجهها علامة العدم والازدراء واللاتقبل. ألا تظل تحوم فوق تلك الذكريات والمواقف التي كانت ترعد وتبرق فيها، ولا تندم عليها. يبدو كل ذلك رائعًا.

لكن السؤال الذي يحوم فوق رأسي. لم يكن عن كيفية كسر تلك الغيمة! بل هل ستظل هذه الغيمة مكسورة ؟ وهل لو ظلت كذلك ستكف عن المطر وعن كونها حلوى دبقة ؟