الأربعاء، 20 مايو 2015

أطعموني , أطعموني ..








كنت صغيرة جداً , أقف بقامتي القصيرة خلف طاولة في مكان ما , تحمل فوقها علبة كبيرة من الحلوى المغلفة , تلمغ أغلفتها بشكل ساحر . كنت أقف بتردد , أريد وبشدة أن أسرق واحدة . لكن شيء في داخلي خائف من التجربة . ينظر إلى تلك الأغلفة الملونة بشيء من الريبة . اقتربت علي أكسر هيبة هذا الخوف الذي يحيط بي من كل جانب , مددت يدي و اخترت ما استلذذته منها . أمسكتها بحماس , أنظر لها بفرحة كبيرة . وقبل أن أجربها مد أحدهم يده نحوي وسحب مني متعتي الصغيرة . وأخذ العلبة بأكملها ورفعها فوق رف بعيد . في تلك اللحظة لم أكن أعرف ما الخطأ الذي وقعت فيه . أو ما هو الذنب الذي يغلف تلك الحلوى .

كبرت قليلًا ، ولازالت تلك العلبة عالقة في ذهني , في كل مرة أمر من تحت ذلك الرف أرفع عيني نحوه , محاولة أن أسترق نظرة ، أن أجرب طعم تلك الحلوى مجازيًا . في كل يوم يزيد الفضول لدي ، حتى أتى ذلك اليوم الذي سحبت فيه كرسيًا لوحدي , وكان عملًا كبيرَا على أن أقوم به وحدي ! كنت فخورة بنفسي بعض الشيء . صعدت فوق الكرسي ومددت يدي نحو العلبة . أستطيع أن أختار أي قطعة أشاء . فضلت هذه المرة أن أختار واحدة تختلف عن سابقتها ، فربما كان الخطأ فيما اخترت ! أمسكت بوحدة وحاولت أن أختصر الموقف وأضعها في فمي مرة وحدة . لكن القدر يأبى . فهاهو شخص يتدخل وينزع مني هذه التجربة الجديدة ويضعها في مكانها . نظرت إليه بعينين حازمتين , وسألته هذه المرة عن السبب ؟ ما الخطأ في أكل الحلوى ؟ ابتسم لي وأخبرني أنه يخاف علي , يخشى أن أتألم , أن ينخرني السوس . يبدو أنني تفهمت الموقف ونزلت من الكرسي مستسلمة . لازلت صغيرة والخوف والخشية علي أمر طبيعي , أو هكذا أقنعت نفسي . أما بالنسبة له فقد أخذ العلبة وخبأها في مكان ما .

في المرة الثالثة وحينها صرت كبيرة , كنت أترفع عن أكل كل الأنواع بحجة أنهم قالوا لي بأنها مضرة وأنهم يخافون علي . لا أنكر أن رغبة التجربة لا زالت تلح علي بالبحث ، وهذا ما يجعلني أتناسى موضوع المضرة وأذهب لأبحث عن مكان العلبة , أفتش في كل زاوية , أبعثر كل شيء علي أجد ضالتي , ووجدتها فعلًا . أمسكت بها , بدون مساعدة من أي كرسي وبدون أن تكون فوق طاولة . كانت في حوزتي . تحمل جميع الأنواع . تحيرك فيما تختار . تغاضيت عن كلتا القطعتين اللاتي اخترتهما سابقًا , لا أريد أن أفوت الفرصة في تجربة أخطاء سابقة . واخترت واحدة جديدة . وكما هي العادة . رجعت الحياة لتكرر نفسها , ليسرقها شخص مني لنفس الحجة . وقد أملى علي حجته قبل أن أسأله عن السبب , ربما لأنهم يعتقدون بأنني كبرت بما فيه الكفاية لأعرف سبب المنع . رأيته يأخذ العلبة بعيدًا عني . بعيدًا جدًا . إلى مكان لن أعرف على الأقل في هذه الفترة من عمري .


حينما اختفى وقفت متسائلة , ما العيب في أن نجرب اقتراف أخطاءنا ؟ ما هو المانع في أن نتعلم من ذنوبنا ؟ أن يكون لنا حق في أن نعيش ؟ نجرب ؟ نخوض حكاياتنا بأنفسنا ؟  أ لن يكون الدرس أقسى هكذا ؟ غير قابل للنسيان ؟ راسخُا في الذهن ؟ لمَ نحكم على تجارب الأشخاص اعتمادًا على أخطاءنا ؟ دروس الأمس لا تنفع لطلاب اليوم , وربما دروس الغد لا تنفع لهم أيضًا . عيش اللحظة وعيش اليوم وعيش الحياة هو ما يناسب الجميع . 

الأحد، 17 مايو 2015

بلغ أشده











تمضي السنوات ونركض في طرقات الحياة لاهثين ، متجاهلين كل التغيرات والأحداث التي تحدث من حولها ، نقف في مرحلة ما فنرى انعكاس أنفسنا الذي تغير كثيرًا . لدرجة أننا قد تقف وتتساءل من أنا ؟ وكيف أصبحت هكذا ؟ أين وضعتني آخر آخر مرة أو بالأصح أين أضعتني ؟ لا ندري ما هو الانعطاف الذي حدث معه كل هذه التغيير ، ولا في أي نقطة من الحياة كبرنا ! جل ما نعرفه أنه – مثلًا – الأشياء التي كنت أحبها قبل سنة أصبحت لا تهمني . أكره شعور الكبر ، و التخلص من صغائر الأمور وتوافها ، أخشى أن تعلقني الحياة على جدران أمور لا أطيقها ، أن أبدو كلوحة لم تناسب المكان .

قد يكون الضحك والسخرية من أرواحنا السابقة الطفولية ما يجعل الأمر هينًا على الجميع ، ربما لبعد المسافة أو لمرور الكثير من الوقت ، لكن المبكي فعلاً هو أن تدرك أنك تغيرت عن البارحة فقط ، وأنك تحن لنفسك التي بالأمس . عظامك الهشة لا تستطيع أن تحمل ثقل اخترته بنفسك اليوم ، عقلك يتضخم وقلبك لا يزال لينًا ، يحدث الكثير من التصادم بينهما . القلب لا يكبر سريعًا وهو ما يتعبني جدًا .

الطفلة الموءودة التي بداخلنا ، ما ذنبها حين قتلت . كانت لا تزال ترى الدنيا بسيطة سهلة ، حقولها واسعة ـ تلعب فيها راكضة بلا ملل ، أفكارها الصغيرة الجميلة تتوسد معها ليلتها . هل من اللازم أن يحين وقت ونقذف بروحنا الصغيرة خارجًا ؟ أن تقيئها كلما أسقتنا الحياة كبرًا ؟ ألا يكل الواحد منًا من عمره ؟ هل يوجد لحظة ما في حياتي القادمة تجعلني أود أن ابتلع روحي من جديد ؟ لم ولن يصمد الكبار كثيرًا .