الأربعاء، 14 مارس 2012

لاجئ








انتشرت الألوان الدموية في رحم السماء ، تبشر بولادة قمر صغير . بعد أن ابتلعت أمه قرص برتقالي كبير ربما كآن مسكناًُ لألم الولادة حينها ، فيجعلها تغط في سبآت عميق .
كنت وقتها أراقب المشهد خارجاً من وطني إلى أي مكان أحتمي فيه ، ليس فقط من قصف شنيع يلبس السماء وشاح مخيف ، وليس من أجل بضعة رجال كسو الأرض دم شريف 
لكن من أجل أن أنعم بسكون يجعل عيني تتلحف بهدوء . وتتم الساعات وهي تغط في سباتها .
كنت وقتها أجر رجلي المروحة جراً ، والدم يرسم علامات متخبطة على الأرض . وبجانبي أختي تستند على كتفي وتحاول لملمة بقايا لحاف وجدته تحت جسد طاهر قد فارق الحياة .
كنت اشم رائحة الموتى في ذلك اللحاف .
الجوع قد تسمر متربعاً فوق معدتي ، وصوت الصرير المؤذي الصادر من بطن أختي يخبرني بأنها تواجه المشكلة ذاتهآ ، كنت أجمع لعابي لأطول فترة ممكنة حتى أستطيع ترطيب حلقي الجاف ، إلى أن إلتصق لساني بسقف فمي طالباً منه الرحمة . أرفع عيني للسماء مانعاً عيني من أن تجهض بناتها فوق خدي ، أعلقها بالسماء وأنطق بصعوبة بالغة . يارب .! 
حل الظلام سريعاً يستر خطواتنا المتعثرة ، يطوي المسافة التي تفصلنا عن الحدود ، حدود الوطن !! شددت على يد أختي الصغيرة وحاولت جر خطواتي جراً .
سمعت صوت قادماً من بيت قد أكل القصف رأسه بشهية واضحة ، كآن صوت يشبه الأنين ، صوت يشبه الميتين ، صوت يخبرني بأن روحاً ستسافر عبر السماء بعد حين .
طلبت من صغيرتي أن تنتظرني عند باب البيت المكسور حتى أدخل واستكشف وأرى الحي الذي يكاد أن يموت ، لكنها تشبثت بي وعينيها تذكرني بالمشهد الأخير .
تقوس فمها للأسفل معلناً بدء مرحلة ما بعد البكاء ، لن عينيها أصحبت مجرد مساحات متصحيرة ، لأ ماء فيها ولآ خضرة . شددت على يدها وأدخلتها معي .
حاولت تتبع الصوت ، و في كل مرة يخرج فيها ذلك الأخير أرتعش رعشة تفقدني توازني ، يعيدني ذلك الصوت للوراء قليلاً ، إلى ذلك الوقت الذي صعد فيه أبي سلم السماء ، وسلمني أختي أمانة خنتها ، كان يصدر أنيناً متقطعاً كهذا الأنين ، يفتك بي ، يقذف بي ناحية الموت ومن ثم يجرني ناحية الحياة مرة أخرى .
وصلت إلى صاحب الصوت ، كان شاباً في مقتبل عمره ، سقطت على ذراعه ضلع إسمنتي من صدر بيتهم . كان يحاول جاهداً أن يجر يده من تحتها لكن بلا جدوى . حاولنا مساعدته كل منا يهبه القوة الباقية لديه . حتى تزحزت الصخرة ببطئ بعد أن أكلت من ذراعه ما أكلت . كان يبدو من عينيه أنه يتصبر ويكتم عبرته ويتجرعها ، حاولت رفع بقايا يده وربطتها باللحاف الذي تنازلت عنه أختي بصعوبة . وأخبرته عن وجهتنا لعله يحفظ ما تبقى له من أعضاءه ويذهب معنا , وفعلاً أكملنا السير معاً .
ما إن وصلنا إلى المكان الذي أخبرني فيه أحد اقاربي بأن أخي الأكبر موجود هناك ، حتى وجدت ملايين العائلات التي هربت من أجل الحصول على مكان أمن ، يلفه الهواء الهادئ النقي ، لا يزعزع أمننا أي صوت ولآ اي صفير . بحثت عن أخي هنا وهناك إلى أن وجته وما إن سألني عمن بقي من عائلتنا حتى تذكرت تلك النكتة التي كانوا يتواردونها سابقاً ، قلت وقد اغرورقت عيناي بالدموع :
أختي ، وفي بطنها أسير أرغموها على أن تحمله . 




أمي بكت البارحة . .







بالرغم من أن المسافة التي تفصل بينهم تقدر بمئات الكيلومترات ، إلآ أنها شعرت بحجم ألمها ، واصبحت لآ تتحدث إلآ بها ، وأسمعهآ في الوقت الذي يكون الله قد اقترب من سمآئنا تدعو لها . كيف لا والمريضة أختها .
كانت تعلم بأن القدر حاول هز حبل الأخوة الذي يربطهم ، كانت تخآف من غداً ومآ سيحدث بعد قليل ، تمسك بهاتفها النقال في مل وقت وفي كل حين ، تخشى الإتصال بها وتطمئن على حالها ممن هم حولها ، ربما كانت لا تريد سماع صوت الضعف الذي يسكن حنجرتها ,
أتمنى أن تكون علاقتي بأخوتي كنقاء دمعة أمي البارحة  

طرح الله العافية في قلبك يا خآلتي