الأربعاء، 16 أبريل 2014

قصة قصيرة












أجلس على ذات الكرسي كل يوم ، هاربة من ملل المكتب وروتينية الأوراق ، أحاول تجديد روحي بهواء نقي من حديقة كبيرة ، وربما ذلك السبب الأكبر في منحنا استراحة للغداء . ألقيت برأسي إلى يدي متفحصة العالم من حولي ، مترقبة ومنتظرة ذلك الحدث . وبالفعل سمعت أصواتهم قادمة من آخر الحديقة ، يتهافتون ويركضون حاملين معهم كراساتهم وألوانهم ، يتسابقون إلى المكان الذي اعتادوا أن يلتفوا حوله .عدلت من جلستي أراقبهم بابتسامة ، يصفون ماعكره العمل كل يوم ، ويجعلونني أعود إلى مكتبي بروح أخرى . ثم هاهو يتبعهم بساقيه الطويلتين ، يرسم على شفتيه أجمل ابتسامة رأيتها في حياتي . جلس إلى جانبهم واضعاً أغراضه على جنب ، ثم بدأ يعد اسمائهم متأكداً من وجودهم جميعاً كما يفعل دائماً .

ما الأكثر لطفاً ورقة من أن تكون مدرس رسم وفنون للأطفال ، وتجد أن ملامح وجهك تجيد لعب ذلك الدور باحترافية ، عيناك صغيرة باسمة ، وأنفك طويل مدبب ، وشعرك ذهبي حريري ، حتى نظرتك كانت مبتسمة . كنت تبعث السعادة للحديقة بأكملها ، وليس إلى قلبي فقط .

رفعت ساعتي إلى ناظري حتى أحسب الوقت الذي أستطيع فيه أن أتأمل هذا المنظر السعيد المصغر أمامي ، وأرى انبطاح طلابك الصغير يملئهم الحماس لرسم أشياء خيالية لا تمت للحديقة بصله . ويبدو أنني أملك وقت كافياً .

لا أمل من تكرير هذا الحدث كل يوم ، وأنا أراك ترتدي القميص الأحمر في الأيام الثلاثة الأولى ، ثم تستبدله في اليومين الأخيرين بالقميص الأزرق الذي أعشق . لا أمل من سماع صوتك وأنت تنهر أحدهم من العبث بألوان الأخر ، أو أن تمسك بأيديهم الصغيرة محاولاً أن تقوم خطوطهم المتعرجة . لا أمل من تأمل شعرك الذهبي يراقص الرياح بسعادة ، ثم يسقط ليضم عينيك بخجل . بالرغم من أنني أكره الروتينية جداً ، لكنني أحببت تكريرك لقمصانك ، وعدم تغيير تسريحة شعرك ، وحتى أنك تكرر ذات الابتسامة كل يوم .
فقط في هذه اللحظة من كل يوم عمل أتمنى أنني أمتلك الجرأة التي تقودني إليك ، أن أضع ما في قلبي بين يديك ، وأن أجعل تكمل رسم حياتي معك . فقط في هذه اللحظة أريد للعالم أن يتوقف ، وبدون كذب سأجلس كل عمري أشاهد هذا المشهد أمامي ، سأعيش على ملامحك ، وأقتات على ابتسامتك .

في كل مرة أتوق للذهاب إليك ، وأخشى أن تسحرني بردة فعلك ، فأرى صدك لي شعراً جميلاً ، وفي أسفك لوحة فاتنة ، فينتهي بي الحال إلى لوم نفسي . أتوق لأعرف ، وأخشى ذلك .  


أمنيتي الصغيرة هي أن تكون على علم بوجود الفتاة الخرقاء التي تنتظرك كل يوم ، وتدعي بأن مكتبها ممل وأوراقها روتينية . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق