أجلس
على ذات الكرسي كل يوم ، هاربة من ملل المكتب وروتينية الأوراق ، أحاول تجديد روحي
بهواء نقي من حديقة كبيرة ، وربما ذلك السبب الأكبر في منحنا استراحة للغداء . ألقيت
برأسي إلى يدي متفحصة العالم من حولي ، مترقبة ومنتظرة ذلك الحدث . وبالفعل سمعت أصواتهم
قادمة من آخر الحديقة ، يتهافتون ويركضون حاملين معهم كراساتهم وألوانهم ، يتسابقون
إلى المكان الذي اعتادوا أن يلتفوا حوله .عدلت من جلستي أراقبهم بابتسامة ، يصفون ماعكره
العمل كل يوم ، ويجعلونني أعود إلى مكتبي بروح أخرى . ثم هاهو يتبعهم بساقيه الطويلتين
، يرسم على شفتيه أجمل ابتسامة رأيتها في حياتي . جلس إلى جانبهم واضعاً أغراضه على
جنب ، ثم بدأ يعد اسمائهم متأكداً من وجودهم جميعاً كما يفعل دائماً .
ما
الأكثر لطفاً ورقة من أن تكون مدرس رسم وفنون للأطفال ، وتجد أن ملامح وجهك تجيد لعب
ذلك الدور باحترافية ، عيناك صغيرة باسمة ، وأنفك طويل مدبب ، وشعرك ذهبي حريري ، حتى
نظرتك كانت مبتسمة . كنت تبعث السعادة للحديقة بأكملها ، وليس إلى قلبي فقط .
رفعت
ساعتي إلى ناظري حتى أحسب الوقت الذي أستطيع فيه أن أتأمل هذا المنظر السعيد المصغر
أمامي ، وأرى انبطاح طلابك الصغير يملئهم الحماس لرسم أشياء خيالية لا تمت للحديقة
بصله . ويبدو أنني أملك وقت كافياً .
لا
أمل من تكرير هذا الحدث كل يوم ، وأنا أراك ترتدي القميص الأحمر في الأيام الثلاثة الأولى
، ثم تستبدله في اليومين الأخيرين بالقميص الأزرق الذي أعشق . لا أمل من سماع صوتك
وأنت تنهر أحدهم من العبث بألوان الأخر ، أو أن تمسك بأيديهم الصغيرة محاولاً أن تقوم
خطوطهم المتعرجة . لا أمل من تأمل شعرك الذهبي يراقص الرياح بسعادة ، ثم يسقط ليضم عينيك
بخجل . بالرغم من أنني أكره الروتينية جداً ، لكنني أحببت تكريرك لقمصانك ، وعدم
تغيير تسريحة شعرك ، وحتى أنك تكرر ذات الابتسامة كل يوم .
فقط
في هذه اللحظة من كل يوم عمل أتمنى أنني أمتلك الجرأة التي تقودني إليك ، أن أضع
ما في قلبي بين يديك ، وأن أجعل تكمل رسم حياتي معك . فقط في هذه اللحظة أريد
للعالم أن يتوقف ، وبدون كذب سأجلس كل عمري أشاهد هذا المشهد أمامي ، سأعيش على
ملامحك ، وأقتات على ابتسامتك .
في
كل مرة أتوق للذهاب إليك ، وأخشى أن تسحرني بردة فعلك ، فأرى صدك لي شعراً جميلاً
، وفي أسفك لوحة فاتنة ، فينتهي بي الحال إلى لوم نفسي . أتوق لأعرف ، وأخشى ذلك .
أمنيتي
الصغيرة هي أن تكون على علم بوجود الفتاة الخرقاء التي تنتظرك كل يوم ، وتدعي بأن
مكتبها ممل وأوراقها روتينية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق