كنت
صغيرة جداً , أقف بقامتي القصيرة خلف طاولة في مكان ما , تحمل فوقها علبة كبيرة من
الحلوى المغلفة , تلمغ أغلفتها بشكل ساحر . كنت أقف بتردد , أريد وبشدة أن أسرق
واحدة . لكن شيء في داخلي خائف من التجربة . ينظر إلى تلك الأغلفة الملونة بشيء من
الريبة . اقتربت علي أكسر هيبة هذا الخوف الذي يحيط بي من كل جانب , مددت يدي و
اخترت ما استلذذته منها . أمسكتها بحماس , أنظر لها بفرحة كبيرة . وقبل أن أجربها
مد أحدهم يده نحوي وسحب مني متعتي الصغيرة . وأخذ العلبة بأكملها ورفعها فوق رف
بعيد . في تلك اللحظة لم أكن أعرف ما الخطأ الذي وقعت فيه . أو ما هو الذنب الذي
يغلف تلك الحلوى .
كبرت
قليلًا ، ولازالت تلك العلبة عالقة في ذهني , في كل مرة أمر من تحت ذلك الرف أرفع
عيني نحوه , محاولة أن أسترق نظرة ، أن أجرب طعم تلك الحلوى مجازيًا . في كل يوم
يزيد الفضول لدي ، حتى أتى ذلك اليوم الذي سحبت فيه كرسيًا لوحدي , وكان عملًا
كبيرَا على أن أقوم به وحدي ! كنت فخورة بنفسي بعض الشيء . صعدت فوق الكرسي ومددت
يدي نحو العلبة . أستطيع أن أختار أي قطعة أشاء . فضلت هذه المرة أن أختار واحدة
تختلف عن سابقتها ، فربما كان الخطأ فيما اخترت ! أمسكت بوحدة وحاولت أن أختصر
الموقف وأضعها في فمي مرة وحدة . لكن القدر يأبى . فهاهو شخص يتدخل وينزع مني هذه
التجربة الجديدة ويضعها في مكانها . نظرت إليه بعينين حازمتين , وسألته هذه المرة
عن السبب ؟ ما الخطأ في أكل الحلوى ؟ ابتسم لي وأخبرني أنه يخاف علي , يخشى أن
أتألم , أن ينخرني السوس . يبدو أنني تفهمت الموقف ونزلت من الكرسي مستسلمة .
لازلت صغيرة والخوف والخشية علي أمر طبيعي , أو هكذا أقنعت نفسي . أما بالنسبة له
فقد أخذ العلبة وخبأها في مكان ما .
في
المرة الثالثة وحينها صرت كبيرة , كنت أترفع عن أكل كل الأنواع بحجة أنهم قالوا لي
بأنها مضرة وأنهم يخافون علي . لا أنكر أن رغبة التجربة لا زالت تلح علي بالبحث ،
وهذا ما يجعلني أتناسى موضوع المضرة وأذهب لأبحث عن مكان العلبة , أفتش في كل زاوية
, أبعثر كل شيء علي أجد ضالتي , ووجدتها فعلًا . أمسكت بها , بدون مساعدة من أي
كرسي وبدون أن تكون فوق طاولة . كانت في حوزتي . تحمل جميع الأنواع . تحيرك فيما
تختار . تغاضيت عن كلتا القطعتين اللاتي اخترتهما سابقًا , لا أريد أن أفوت الفرصة
في تجربة أخطاء سابقة . واخترت واحدة جديدة . وكما هي العادة . رجعت الحياة لتكرر
نفسها , ليسرقها شخص مني لنفس الحجة . وقد أملى علي حجته قبل أن أسأله عن السبب ,
ربما لأنهم يعتقدون بأنني كبرت بما فيه الكفاية لأعرف سبب المنع . رأيته يأخذ
العلبة بعيدًا عني . بعيدًا جدًا . إلى مكان لن أعرف على الأقل في هذه الفترة من
عمري .
حينما
اختفى وقفت متسائلة , ما العيب في أن نجرب اقتراف أخطاءنا ؟ ما هو المانع في أن
نتعلم من ذنوبنا ؟ أن يكون لنا حق في أن نعيش ؟ نجرب ؟ نخوض حكاياتنا بأنفسنا ؟ أ لن يكون الدرس أقسى هكذا ؟ غير قابل للنسيان ؟
راسخُا في الذهن ؟ لمَ نحكم على تجارب الأشخاص اعتمادًا على أخطاءنا ؟ دروس الأمس
لا تنفع لطلاب اليوم , وربما دروس الغد لا تنفع لهم أيضًا . عيش اللحظة وعيش اليوم
وعيش الحياة هو ما يناسب الجميع .